مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (25)

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } يعني أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء { بالبينات } بالحجج والمعجزات { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب } أي الوحي . وقيل : الرسل الأنبياء . والأول أولى لقوله { مَعَهُمْ } لأن الأنبياء ينزل عليهم الكتاب { والميزان } رُوي أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال : مر قومك يزنوا به { لِيَقُومَ الناس } ليتعاملوا بينهم إيفاء واستيفاء { بالقسط } بالعدل ولا يظلم أحد أحداً { وَأَنزْلْنَا الحديد } قيل : نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد : السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة . ورُوي ومعه المرّ والمسحاة . وعن الحسن : وأنزلنا الحديد خلقناه { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } وهو القتال به { ومنافع لِلنَّاسِ } في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها أو ما يعمل بالحديد { وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين . وقال الزجاج : ليعلم الله من يقاتل مع رسوله في سبيله { بالغيب } غائباً عنهم { إِنَّ الله قَوِىٌّ } يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته { عَزِيزٌ } يربط بعزته جأش من يتعرض لنصرته . والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة أن الكتاب قانون الشريعة ودستور الأحكام الدينية يبين سبل المراشد والعهود ويتضمن جوامع الأحكام والحدود ، ويأمر بالعدل والإحسان وينهى عن البغي والطغيان ، واستعمال العدل والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة يقع بها التعامل ويحصل بها التساوي والتعادل وهي الميزان . ومن المعلوم أن الكتاب الجامع للأوامر الإلهية والآلة الموضوعة للتعامل بالسوية إنما تحض العامة على اتباعهما بالسيف الذي هو حجة الله على من جحد وعنَدَ ، ونزع عن صفقة الجماعة اليد . وهو الحديد الذي وصف بالبأس الشديد .