الآية 25 وقوله تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات }يحتمل وجهين :
أحدهما : أي أرسلنا ما يبين ، ويوضح أنهم رسل الله ، وأن تلك الآيات التي أتوا بها من عند الله لا باختراع من عندهم لما هي خارجة عن وسع البشر .
والثاني : ما يبين صدق الرسل في خبرهم وعدلهم في حكمهم ، أو يبين ما لهم وما عليهم .
وقوله تعالى : { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } كقوله في آية أخرى { الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان }[ الشورى : 17 ]
ثم يحتمل { والميزان } الموازين المعروفة التي بها تستوفى الحقوق في ما بين الناس وبها توفى وبها تحفظ حقوق الأموال التي بينهم وحدودها . فإن كان المراد هذا فكأنه قال : { وأنزلنا معهم الكتاب } الذي به يحفظ الدين وحدوده { والميزان } الذي به تحفظ حدود الأموال ، لا يزاد على الحق ، ولا ينقص منه ، والله أعلم .
وجائز أن يكون المراد بالميزان الحكمة إذ ذكره على إثر الكتاب كقوله : { ويعلمه الكتاب والحكمة } [ آل عمران : 48 ] كأنه يقول ، والله أعلم : { وأنزلنا معهم الكتاب } والحكمة ؛ فيكون الكتاب به{[20692]} تحفظ حدود الأفعال والأقوال ، وتكون الحكمة ما يقوم الناس بها بالقسط .
أو{[20693]} أن تكون الحكمة ما أودع في الكتاب من المعاني .
وقال الحسن في قوله : { ويعلمه الكتاب والحكمة } : إنهما{[20694]} واحد .
وقوله تعالى : { ليقوم الناس بالقسط } يخرج على وجهين :
أحدهما : أنزل ما ذكر من الكتاب والميزان ليلزم الناس بالقيام بالعدل ، وقد ألزمهم ذلك بما أنزل عليهم من الكتاب والميزان ، وبين الحدود .
والثاني : أنزل ما ذكر { ليقوم الناس بالقسط } على وجود القيام بالعدل .
فإن كان المراد منه الوجود فهو راجع إلى خاص من الناس . وإن كان على الإلزام فهو راجع إلى الكل ، وهو كقوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] .
وإن كان [ المراد ]{[20695]} على وجود العبادة فهو يرجع إلى خاص من الناس .
وإن كان المراد بقوله : { إلا ليعبدون } أي لآمرهم ، وألزمهم ، هو للكل ؛ فإنه قد خلقهم ليأمرهم ، ويلزمهم ، وقد أمرهم ، وألزمهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس } خص الله تعالى ذكر الحديد بما جعل فيه من البأس من بين غيره من الأشياء ، وإن كان يشاركه غيره في احتمال الأذى والضرر به ، ما يطعن به ، فينفذ ، ويضرب به ، ويستعمل في الحروب والقتال [ بوجهين : ]{[20696]} .
أحدهما : أنه هو الكافل{[20697]} في الظفر والنفاذ والجرح ، وإن كان يتحقق من غيره . ولذلك اعتاده الناس آلة للقتال والحرب فيكون البأس فيه أشد .
والثاني : لما يختص به باتخاذ الدرع لقوله تعالى : { وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم } [ الأنبياء : 80 ] لهذا خص الحديد به ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ومنافع للناس } جعل الله تعالى في الحديد منافع ، ليست تلك في غيره ، وهو ما يتخذ منه ما يخرز به ، ويخاط من الخفاف وغيره مما لا يحتمل هذا النوع لغيره .
وكذلك حوائج الخلق ، لا تقوم في سائر أنواع الحرف والأعمال من التجارة والزراعة والبناء وغيرها .
وفيه خصوصية في حق المحن ، وهو ما يظهر عند فرض القتال [ من ]{[20698]} صدق إيمان المحقق ونفاق في المرتاب بقوله : { فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية } [ النساء : 77 ] ونحو ذلك .
فظهور{[20699]} الصادق من الكاذب في الحروب ، وإنما ذلك بالحديد ، فصار مخصوصا في حق المحنة ، وغيرها من المنافع حق لا يلتأم أمر من أمور المعاش إلا به . فلذلك{[20700]} خص ، والله أعلم .
وقال أهل التأويل : أنزل من السماء المطرقة والعلاة والكلبتين .
وعندنا ليس على حقيقة الإنزال من السماء كذلك ، ومعنى{[20701]} قوله : { وأنزلنا الحديد } أي خلقنا كقوله : { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } [ الزمر : 6 ] أي خلقها وقوله تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا / 552 – أ/ يوارى سوآتكم } [ الأعراف : 26 ] ومعلوم أنه لم ينزل اللباس على ما هو عليهن ولكن معناه خلقه لباسا لكم . كذلك هذا .
وقوله تعالى : { وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب } يحتمل { من ينصره } أي دينه ، أو أراد بإضافة النصر إلى نفسه نصر رسوله محمد وسائر رسله صلى الله عليه وسلم .
ثم نصر الرسل مرة يكون بتبليغ ما أمروا إلى قومهم ؛ ينصرونهم . هذا يحتمل ، وعلى هذا يخرج قوله تعالى : { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] والله أعلم .
وجائز أن يكون المراد من إضافة النصر إليه نصر أنفسهم ودينهم ؛ إذ هم المنتفعون بذلك ، ولهم يحصل ذلك النفع وتلك المعونة ، لكنه بفضله وكرمه سمى ذلك نصره وأضافه إلى نفسه على ما جعل لأعمالهم التي يعملونها لأنفسهم ثوابا ، وذكر لهم على ذلك أجرا ؛ كأنهم عاملون له ، وهم المنتفعون بها المحتاجون إليها .
فعلى ذلك جائز أن يكون ما عملوا لأنفسهم سماه نصرا ، وإن كان النصر لهم ، وإنه ناصر الكل حين{[20702]} قال : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } [ آل عمران : 160 ] أخبر أنه إذا نصرهم لا غالب لهم سواه ، وإذا خذلهم لا ناصر لهم دونه ، والله أعلم .
ثم قوله تعالى : { وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب } يخرج على وجهين :
أحدهما : ليعلم من قد علم أنه ينصر ناصرا ، وليعلم من قد علم بالغيب أنه يكون كائنا شاهدا ، والتغييب على المعلوم لا على العلم .
والثاني : يريد بالمعلوم العلم ، وذلك جائز في اللغة : ذكر العلم والفعل على إرادة المعلوم والمفعول نحو ما يقال : الصلاة [ أمر الله ]{[20703]} أي بأمر الله ، لأن الصلاة ، لا تكون أمره .
وقوله تعالى : { إن الله قوي عزيز } ذكر هذا ليعلم أنه لم يأمر في ما أمرهم من القتال والنصر لحاجة نفسه ، ولا استعملهم في ما استعمل من النصر والمعونة لنفسه ، ولا أنه{[20704]} يكتسب بذلك العز لنفسه .
أخبر أنه قوي بنفسه ، عزيز بذاته . ولكن إنما أمرهم بما أمر ، واستعملهم في ما استعمل لنصر أنفسهم ولقوتهم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.