{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } أي من بني آدم كما هو الظاهر { بالبينات } أي الحجج والمعجزات { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب } أي جنس الكتاب الشامل للكل ، والظرف حال مقدرة منه على ما قال أبو حيان ، وقيل : مقارنة بتنزيل الاتصال منزلة المقارنة { والميزان } الآلة المعروفة بين الناس كما قال ابن زيد وغيره ، وإنزاله إنزال أسبابه ، ولو بعيدة ، وأمر الناس باتخاذه مع تعليم كيفيته .
{ لِيَقُومَ الناس بالقسط } علة لإنزال الكتاب والميزان والقيام بالقسط أي بالعدل يشمل التسوية في أمور التعامل باستعمال الميزان ، وفي أمور المعاد باحتذاء الكتاب وهو لفظ جامع مشتمل على جميع ما ينبغي الاتصاف به معاشاً ومعاداً .
{ وَأَنزْلْنَا الحديد } قال الحسن : أي خلقناه كقوله تعالى : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الانعام ثمانية أزواج } [ الزمر : 6 ] وهو تفسير بلازم الشيء فإن كل مخلوق منزل باعتبار ثبوته في اللوح وتقديره موجوداً حيث ما ثبت فيه .
وقال قطرب : هيأناه لكم وأنعمنا به عليكم من نزل الضيف { فِيهِ بَأْسٌ } أي عذاب { شَدِيدٍ } لأن آلات الحرب تتخذ منه ، وهذا إشارة إلى احتياج الكتاب والميزان إلى القائم بالسيف ليحصل القيام بالقسط فإن الظلم من شيم النفوس ، وقوله تعالى : { ومنافع لِلنَّاسِ } أي في معايشهم ومصالحهم إذ ما من صنعة إلا والحديد أو ما يعمل به آلتها للإيماء إلى أن القيام بالقسط كما يحتاج إلى الوازع وهو القائم بالسيف يحتاج إلى ما به قوام التعايش ، ومن يقوم بذلك أيضاً ليتم التمدن المحتاج إليه النوع ، وليتم القيام بالقسط ، كيف وهو شامل أيضاً لما يخص المرء وحده ، والجملة الظرفية في موضع الحال ، وقوله سبحانه :
{ وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } عطف على محذوف يدل عليه السياق أو الحال لأنها متضمنة للتعليل أي لينفعهم وليعلم الله علماً يتعلق به الجزاء من ينصره ورسله باستعمال آلات الحرب من الحديد في مجاهدة أعدائه والحذف للإشعار بأن الثاني هو المطلوب لذاته وأن الأول مقدمة له ، وجوز تعلقه بمحذوف مؤخر والواو اعتراضية أي وليعلم الخ أنزله أو مقدم والواو عاطفة والجملة معطوفة على ما قبلها وقد حذف المعطوف وأقيم متعلقه مقامه ، وقوله تعالى : { بالغيب } حال من فاعل ينصر ، أو من مفعوله أي غائباً منهم أو غائبين منه ، وقوله عز وجل : { إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ } اعتراض تذييلي جيء به تحقيقاً للحق وتنبيهاً على أن تكليفهم الجهاد وتعريضهم للقتال ليس لحاجته سبحانه في إعلاء كلمته وإظهار دينه إلى نصرتهم بل إنما هو لينتفعوا به ويصلوا بامتثال الأمر فيه إلى الثواب وإلا فهو جل وعلا غني بقدرته وعزته عنهم في كل ما يريد .
هذا وذهب الزمخشري إلى أن المراد بالرسل رسل الملائكة عليهم السلام أي أرسلناهم إلى الأنبياء عليهم السلام ، وفسر البينات كما فسرنا بناءاً على الملائكة ترسل بالمعجزات كإرسالها بالحجج لتخبر بأنها معجزات وإلا فكان الظاهر الاقتصار على الحجج وإنزال الكتاب أي الوحي مع أولئك الرسل ظاهر ، وإنزال الميزان بمعنى الآلة عنده على حقيقته ، قال : روي أن جبريل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه إلى نوح عليه السلام ، وقال : مُرْ قومك يزنوا به ، وفسره كثير بالعدل ، وعن ابن عباس في إنزال الحديد نزل مع آدم عليه السلام الميقعة والسندان والكلبتان ، وروى أنه نزل ومعه المرّ والمسحاة ، وقيل : نزل ومعه خمسة أشياء من الحديد السندان والكلبتان والإبرة والمطرقة والميقعة ، وفسرت بالمسن ، وتجيء بمعنى المطرقة أو العظيمة منها ، وقيل : ما تحدّ به الرحى ، وفي حديث ابن عباس نزل آدم عليه السلام من الجنة بالباسنة وهي آلات الصناع ، وقيل : سكة الحرث وليس بعربي محض والله تعالى أعلم . واستظهر أبو حيان كون ليقوم الناس بالقسط علة لإنزال الميزان فقط وجوز ما ذكرناه وهو الأولى فيما أرى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.