جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (25)

{ لقد أرسلنا رسلنا{[4927]} بالبينات } : المعجزات ، { وأنزلنا معهم الكتاب{[4928]} } ، جنس الكتاب ، { والميزان } أي : العدل أو الميزان المعروف قيل : نزل جبريل- عليه السلام- بالميزان إلى نوح- عليه السلام- ، وقال : مر قومك يزنوا به ، { ليقوم الناس بالقسط } أي : ليتعاملوا بالعدل ، { وأنزلنا } : أنشأنا ، وأحدثنا عن ابن عباس- رضي الله عنهما- ثلاثة أشياء نزلت مع آدم السندان والكلبتان والمطرقة{[4929]} ، { الحديد فيه بأس شديد } : هو القتال به مع من عاند الحق ، { منافع للناس } إذ هو آلة لأكثر الصنائع ، { وليعلم الله } ، عطف على معنى فيه بأس شديد ومنافع فإنه حال يتضمن تعليلا أي : أنزلناه للبأس وللنفع وليعلم وقيل : عطف على ليقوم الناس ، { من ينصره } أي : دينه ، { ورسله } : باستعمال آلات الحرب مع أعداء الله تعالى ، { بالغيب } : غائبا عن الله تعالى عن ابن عباس- رضي الله عنهما- يبصرونه ولا ينصرونه ، { إن الله قوي } : في أمره ، { عزيز } : في ذاته لا يحتاج إلى نصرة ناصر .


[4927]:ولا يحتاج إلى القول بأن الرسل الملائكة إلى الأنبياء فإنه خلاف قول السلف /12 وجيز.
[4928]:ومن وجوه المناسبة بين الكتاب والميزان والحديد أن المعاملة إما مع الخلق، وطريقها الكتاب أو مع الخلق وهم إما الأحباب، والمعاملة معهم بالسوية وهي بالميزان، أو مع الأعداء، والمعاملة معهم بالسيف والحديد، ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة جعله سهل الوجدان كثير الوجود، والذهب لما قلت الحاجة إليه جعله عزيز الوجود، وعند هذا يظهر أثر وجود الله، ورحمته على عبيده فإن كل ما كانت حاجتهم إليه أكثر جعل وجدانه أسهل، ولهذا قال بعض الحكماء: إن أعظم الأمور حاجة إليه هو الهواء لا جرم جعله الله أسهل الأشياء وجدانا وهيأ أسباب التنفس والآية حتى إن الإنسان يتنفس دائما بمقتضى طبعه وبعد الهواء الماء وبعد الماء الطعام، وكل طعام كانت الحاجة إليه أشد كان وجدانه أسهل، وكلما كان وجدانه أعسر كانت الحاجة إليه أقل، ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله أشد من الحاجة إلى كل شيء فنرجو من فضله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا قال الشاعر: سبحان من خص العزيز بعزه *** والناس مستغنون عن أجناسه وأذل أنفاس الهواء وكل ذي *** نفس فمحتاج إلى أنفاسه /12 كبير.
[4929]:رواه ابن جرير وابن أبي حاتم/12 وجيز.