قوله تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } . يعني القرآن .
قوله تعالى : { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } . يعني التوراة ، يكفينا ذلك .
قوله تعالى : { ويكفرون بما وراءه } . أي بما سواه من الكتب كقوله عز وجل ( فمن ابتغى وراء ذلك ) أي سواه ، وقال أبو عبيدة : بما بعده .
قوله تعالى : { وهو الحق } . يعني القرآن .
قوله تعالى : { مصدقاً } . نصب على الحال .
قوله تعالى : { لما معهم } . من التوراة .
قوله تعالى : { قل } . لهم يا محمد .
قوله تعالى : { فلم تقتلون } . أي قتلتم .
قوله تعالى : { أنبياء الله من قبل } . ولم : أصله لما فحذفت الألف فرقاً بين الخبر والاستفهام كقولهم فيم وبم .
قوله تعالى : { إن كنتم مؤمنين } . بالتوراة ، وقد نهيتم فيها عن قتل الأنبياء عليهم السلام .
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
أي : وإذا أمر اليهود بالإيمان بما أنزل الله على رسوله ، وهو القرآن استكبروا وعتوا ، و { قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ } أي : بما سواه من الكتب ، مع أن الواجب أن يؤمن بما أنزل الله مطلقا ، سواء أنزل عليهم ، أو على غيرهم ، وهذا هو الإيمان النافع ، الإيمان بما أنزل الله على جميع رسل الله .
وأما التفريق بين الرسل والكتب ، وزعم الإيمان ببعضها دون بعض ، فهذا ليس بإيمان ، بل هو الكفر بعينه ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا }
ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا ردا شافيا ، وألزمهم إلزاما لا محيد لهم عنه ، فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بأمرين فقال : { وَهُوَ الْحَقُّ } فإذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الإخبارات ، والأوامر والنواهي ، وهو من عند ربهم ، فالكفر به بعد ذلك كفر بالله ، وكفر بالحق الذي أنزله .
ثم قال : { مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ } أي : موافقا له في كل ما دل عليه من الحق ومهيمنا عليه .
فلم تؤمنون بما أنزل عليكم ، وتكفرون بنظيره ؟ هل هذا إلا تعصب واتباع للهوى لا للهدى ؟
وأيضا ، فإن كون القرآن مصدقا لما معهم ، يقتضي أنه حجة لهم على صدق ما في أيديهم من الكتب ، قلا سبيل لهم إلى إثباتها إلا به ، فإذا كفروا به وجحدوه ، صاروا بمنزلة من ادعى دعوى بحجة وبينة ليس له غيرها ، ولا تتم دعواه إلا بسلامة بينته ، ثم يأتي هو لبينته وحجته ، فيقدح فيها ويكذب بها ، أليس هذا من الحماقة والجنون ؟ فكان كفرهم بالقرآن ، كفرا بما في أيديهم ونقضا له .
ثم نقض عليهم تعالى دعواهم الإيمان بما أنزل إليهم بقوله : { قُلْ } لهم : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
يقول تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } أي : لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب { آمِنُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ } [ أي ]{[2168]} : على محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه واتبعوه { قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا } أي : يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك ، { وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ } يعنى : بما بعده { وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ } أي : وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الحق{[2169]} { مُصَدِّقًا }{[2170]} منصوب على الحال ، أي في حال تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل ، فالحجة قائمة عليهم بذلك ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } [ البقرة : 146 ] ثم قال تعالى : { [ قُلْ ]{[2171]} فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أي : إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم ، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاؤوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها ، وأنتم تعلمون صدقهم ؟ قتلتموهم بغيًا [ وحسدًا ]{[2172]} وعنادًا واستكبارًا على رسل الله ، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء ، والآراء والتشهي{[2173]} كما قال تعالى { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } [ البقرة : 87 ] .
وقال السدي : في هذه الآية يعيرهم الله تعالى : { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
وقال أبو جعفر بن جرير : قل يا محمد ليهود بني إسرائيل - [ الذين ]{[2174]} إذا قلت لهم : آمنوا بما أنزل الله قالوا : { نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا } - : لم تقتلون{[2175]} - إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل الله عليكم - أنبياءه وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم ، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم ، وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم : { نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا } وتعيير لهم .
{ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } يعم الكتب المنزلة بأسرها . { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } أي بالتوراة { ويكفرون بما وراءه } حال من الضمير في قالوا ، ووراء في الأصل جعل ظرفا ، ويضاف إلى الفاعل فيراد به ما يتوارى به وهو خلفه ، وإلى المفعول فيراد به ما يواريه وهو قدامه ، ولذلك عد من الأضداد . { وهو الحق } الضمير لما وراءه ، والمراد به القرآن { مصدقا لما معهم } حال مؤكدة تتضمن رد مقالهم ، فإنهم لما كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها { قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } اعتراض عليهم بقتل الأنبياء مع إدعاء الإيمان بالتوراة والتوراة لا تسوغه ، وإنما أسنده إليهم لأنه فعل آبائهم ، وأنهم راضون به عازمون عليه . وقرأ نافع وحده أن " أنباء الله " مهموزا في جميع القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.