فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (91)

{ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } وهو القرآن وقيل كل كتاب أي صدقوا بالقرآن أو صدقوا بما أنزل الله من الكتب { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } أي التوراة { ويكفرون } الواو للحال { بما وراءه } أي بما سواه من الكتب ، قاله الفراء وبما بعده يعني الإنجيل والقرآن قاله أبو عبيده ، قال الجوهري وراء بمعنى خلف وقد يكون بمعنى قدام وأمام فهي من الأضداد ومنه قوله تعالى { وكان وراءهم ملك } أي قدامهم ، وفي الموازنة للآمدي وراء ليست من الأضداد إنما هو من المواراة والاستتار فما استتر عنك فهو وراء ، خلفا كان أو قداما إذا لم تره ولم تشاهده ، فأما إذا رأيته فلا يكون وراءك ومنه قوله تعالى { وكان وراءهم ملك } أي أنه كان أمامهم وصح ذلك لأنهم لم يعاينوه ولم يشاهدوه انتهى .

قال الخفاجي : وهذا لا ينافي قوله البيضاوي ولذلك عد من الأضداد لأن معناه أنه لما أطلق على خلف وقدام وهما ضدان عد ضدا تسمحا على عادة أهل اللغة ، وإن كان موضوعا لمعنى شامل لهما لأنه مصدر بمعنى الستر فيهما لكنه قد يستعمل بمعنى الساتر وقد يستعمل بمعنى المستور ، ولذا قال في القاموس هو من الأضداد من هو قدامه وما قدامه على من هو خلفه انتهى .

{ وهو الحق } يعني القرآن { مصدقا لما معهم } يعني التوراة { قل } يا محمد { فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتل الأنبياء ، وهذا تكذيب لهم لأن الإيمان بالتوراة مناف لقتل أشرف خلقه ، وهذا الخطاب وإن كان مع الحاضرين من اليهود فالمراد به أسلافهم ، ولكنهم لما كانوا يرضون بأفعال سلفهم كانوا مثلهم ، وفي الآية دليل على أن من يرضي بالمعصية فكأنه فاعل لها {[107]} .


[107]:وتقتلون هنا بمعنى قتلتم، فوضع المستقبل في موضع الماضي، لأن الوهم لا يذهب إلى غيره وأنشدوا في ذلك: شهد الخطيئة حين يلقي ربه أن الوليد أحق بالعذر.