معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (91)

وقوله : { وَيَكْفُرونَ بِما وَرَاءهُ . . . }

يريد سِواه ، وذلك كثيرٌ في العربية أن يتكلّم الرجلُ بالكلام الحسن فيقول السّامع : ليس وراء هذا الكلام شيء ، أي ليس عنده شيء سواه .

وقوله : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاء اللَّهِ مِن قَبْلُ . . . }

يقول القائل : إنما " تقتلون " للمستقبل فكيف قال : " مِن قَبْلُ " ؟ ونحن لا نجيز في الكلام أنا أضربُك أمسِ ، وذلك جائز إذا أردتَ ب تفعلون الماضي ، ألا ترى أنّك تعنِّف الرجلَ بما سلف من فعله فتقول : وَيْحَك لِمَ تَكذب ! لِم تُبغِّض نفسك إلى الناس ! ومثله قول الله : { وَاتَّبَعْوا ما تَتْلُو الشَّياطينُ على مُلْكِ سُلَيْمانَ } . ولم يقل ما تَلَت الشياطين ، وذلك عربيّ كثير في الكلام ؛ أنشدني بعضُ العرب :

إذا ما انتَسَبْنا لم تَلِدْني لئِيمةٌ *** ولم تَجِدِي مِن أَنْ تُقِرِّي بها بُدَّا

فالجزاء للمستقبل ، والوِلادة كلها قد مضت ، وذلك أن المعنى معروفٌ ؛ ومثله في الكلام : إذا نظرت في سِيرِ عمر رحمه الله لم يُسِئ ؛ المعنى لم تجده أساء ؛ فلما كان أمرُ عمر لا يشك في مضيّه لم يقع في الوهم أنه مستقبل ؛ فلذلك صلحت " مِنْ قَبْلُ " . مع قوله : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياء اللَّهِ مِن قَبْلُ } وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة ، إنما قتل الأنبياء أسلافُهم الذين مَضَوا فتولَّوهم على ذلك ورَضُوا به فنُسِب القتلُ إليهم .