فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (91)

{ بما وراءه } بما سواه وبما بعده

{ بما أنزل الله } بالقرآن الحكيم

{ آمنوا بما أنزل الله } بكل ما أنزل الله من كتاب { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } أي بالتوراة وبسائر كتب الأنبياء الذين أتوا بتقرير شرع موسى عليه السلام { ويكفرون بما وراءه } أي قالوا ذلك والحال أنهم يكفرون بما وراء التوراة والإنجيل وهو الحق الضمير يعود إلى ما وراءه أو إلى القرآن فقط و{ مصدقا } حال مؤكد لوجود شرطها وهو كونها مقررة لمضمون جملة اسمية ، أو كون مضمونها لازما لمضمون الجملة الاسمية فإن التصديق لازما حقية القرآن ، فصار لازما كأنه هو العامل في { مصدقا } محذوف وهو يبدو أو يثبت على الأصح وأما الواو في وهو الحق فيجوز أن تكون معترضة فلا محل للجملة ويجوز أن تكون للحال وحينئذ إما أن يكون العامل فيها هو العامل في قوله { ويكفرون } على أنهما حالان متداخلان ؛ وفي قوله { وهو الحق مصدقا لما معهم } دلالة على وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه لما أثبت نبوته بالمعجزات ثم إنه أخبر أن هذا القرآن منزل من عند الله وأنه صلى الله عليه وسلم أمر المكلفين بالإيمان كان الإيمان به واجبا لا محالة ، وعند هذا يظهر أن الإيمان ببعض الأنبياء وبعض الكتب مع الكفر ببعضهم وبعضها محال ، وأيضا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتعلم علما ولم يقرأ ولم يخط ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتى بالقصص والأخبار المطابقة لما في التوراة ، فيعلم أن بالضرورة أنه صلى الله عليه وسلم استفادها من قبل الوحي ، وأيضا القرآن يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبر الله تعالى أنه مصدق التوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته ، فمدعي الإيمان بالتوراة يجب أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وإلا كان كذبا ثم إنه بين من وجه آخر كذب دعواهم وهو أن التوراة لا تسوغ قتل الأنبياء وإنهم سوغوا ذلك وفيه دليل على أن إيراد المناقصة على الخصم جائزة والكلام وإن كان على وجه الخطاب إلى أن المراد بذلك أسلافهم ، بدليل { من قبل } { وتقتلون } حكاية حال ماضية ، وأصل { لم } لما بإدخال لام التعليل في ما الاستفهامية ، حذفت الألف للتخفيف أي لأي غرض وبأي حجة كان أسلافكم يقتلون الأنبياء ؟ .

وفي قوله { إن كنتم مؤمنين } تشكيك في إيمانهم وقدح في صحة دعواهم الإيمان وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما تقدمه ، وفيه تنبيه على أن اليهود المعاصرين خرجوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالتوراة كما أن أسلافهم خرجوا بقتل بعض الأنبياء عن الإيمان بها والله تعال أعلم-{[352]}


[352]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان.