فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (91)

وقوله : { بِمَا أنزَلَ الله } هو : القرآن ، وقيل كل كتاب ، أي : صدّقوا بالقرآن ، أو صدّقوا بما أنزل الله من الكتب { قَالُوا نُؤْمِنُ } أي : نصدّق { بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا } أي : التوراة .

وقوله : { وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ } قال الفراء : بما سواه . وقال أبو عبيدة : بما بعده . قال الجوهري : وراء بمعنى خلف ، وقد يكون بمعنى قدّام ، وهي من الأضداد . ومنه قوله تعالى : { وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ } [ الكهف : 79 ] أي : قدّامهم ، وهذه الجملة ، أعني { ويكفرون } في محل النصب على الحال ، أي : قالوا نؤمن بما أنزل علينا حال كونهم كافرين بما وراءه ، مع كون هذا الذي هو وراء ما يؤمنون به هو الحق . وقوله : { مُصَدّقاً } حال مؤكدة ، وهذه أحوال متداخلة أعني قوله : { وَيَكْفُرونَ } وقوله : { وَهُوَ الحق } وقوله : { مُصَدّقاً } ثم اعترض الله سبحانه عليهم ، لما قالوا نؤمن بما أنزل علينا ، بهذه الجملة المتشملة على الاستفهام المفيد للتوبيخ ، أي : إن كنتم تؤمنون بما أنزل عليكم ، فكيف تقتلون الأنبياء ، وقد نهيتم عن قتلهم ، فيما أنزل عليكم ؟ وهذا الخطاب ، وإن كان مع الحاضرين من اليهود ، فالمراد به أسلافهم ، ولكنهم لما كانوا يرضون بأفعال سلفهم كانوا مثلهم .

/خ92