غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (91)

87

{ آمنوا بما أنزل الله } بكل ما أنزل الله من كتاب وقد يستدل به على عموم " ما " { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } أي بالتوراة وكتب سائر الأنبياء الذين آتوا بتقرير شرع موسى عليه السلام { ويكفرون بما وراءه } أي قالوا ذلك والحال أنهم يكفرون بما وراء التوراة وهو الإنجيل والقرآن { وهو الحق } الضمير يعود إلى " ما وراءه " أو إلى القرآن فقط . و{ مصدقاً } حال مؤكدة لوجود شرطها وهو كونها مقررة لمضمون جملة اسمية ، أو كون مضمونها لازماً لمضمون الجملة الاسمية ، فإن التصديق لازم حقية القرآن فصار كأنه هو والعامل في { مصدقاً } محذوف وهو يبدو أو يثبت على الأصح . وأما الواو في { وهو الحق } فيجوز أن تكون معترضة فلا محل للجملة ، ويجوز أن تكون للحال وحينئذ إما أن يكون العامل فيها هو العامل في قوله { ويكفرون } على أن كلاً منهما حال بحيالها ، وإما أن يكون العامل فيها هو يكفرون على أنهما حالان متداخلتان . وفي قوله :

{ وهو الحق مصدقاً لما معهم } دلالة على وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه لما أثبت نبوته بالمعجزات ثم إنه أخبر أن هذا القرآن منزل من عند الله وأنه صلى الله عليه وسلم أمر المكلفين بالإيمان ، كان الإيمان به واجباً لا محالة ، وعند هذا يظهر أن الإيمان ببعض الأنبياء وبعض الكتب مع الكفر ببعضهم وبعضها محال . وأيضاً أنه صلى الله عليه وسلم لم يتعلم علماً ولم يقرأ ولم يخط ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتى بالقصص والأخبار مطابقة لما في التوراة ، فيعلم بالضرورة أنه صلى الله عليه وسلم استفادها من قبل الوحي وأيضاً القرآن يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبر الله تعالى عنه أنه مصدق التوراة وجب اشتمال التوراة على الأخبار عن نبوته . فمدعي الإيمان بالتوراة يجب أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وإلا كان كاذباً . ثم إنه تعالى بين من وجه آخر كذب دعواهم ، وهو أن التوراة لا تسوغ قتل الأنبياء وأنهم سوغوا ذلك ، وفيه دليل على أن إيراد المناقضة على الخصم الألد جائز . والكلام وإن كان على وجه الخطاب إلا أن المراد بذلك أسلافهم بدليل { من قبل } وتقتلون حكاية حال ماضية . وأصل " لم " لما بإدخال لام التعليل في " ما " الاستفهامية ، حذفت الألف للتخفيف أي لأي غرض وبأي حجة كان أسلافكم يقتلون الأنبياء . وفي قوله { إن كنتم مؤمنين } تشكيك في إيمانهم وقدح في صحة دعواهم الإيمان ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما تقدمه . وفيه تنبيه على أن اليهود المعاصرين خرجوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالتوراة كما أن أسلافهم خرجوا بقتل بعض الأنبياء عن الإيمان بها والله تعالى أعلم .

/خ91