قوله تعالى : { استكباراً في الأرض } نصب استكباراً على البدل من النفور ، { ومكر السيئ } يعني : العمل القبيح ، أضيف المكر إلى صفته ، قال الكلبي : هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ حمزة : مكر السيء ساكنة الهمزة تخفيفاً ، وهي قراءة الأعمش ، { ولا يحيق المكر السيئ } أي : لا يحل ولا يحيط المكر السيء ، { إلا بأهله } فقتلوا يوم بدر ، وقال ابن عباس : عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك . والمعنى : وبال مكرهم راجع إليهم ، { فهل ينظرون } ينتظرون ، { إلا سنة الأولين } إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار .
وليس إقسامهم المذكور ، لقصد حسن ، وطلب للحق ، وإلا لوفقوا له ، ولكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق ، وعلى الحق ، وبهرجة في كلامهم هذا ، يريدون به المكر والخداع ، وأنهم أهل الحق ، الحريصون على طلبه ، فيغتر به المغترون ، ويمشي خلفهم المقتدون .
{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ } الذي مقصوده مقصود سيئ ، ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل { إِلَّا بِأَهْلِهِ } فمكرهم إنما يعود عليهم ، وقد أبان اللّه لعباده في هذه المقالات وتلك الإقسامات ، أنهم كذبة في ذلك مزورون ، فاستبان خزيهم ، وظهرت فضيحتهم ، وتبين قصدهم السيئ ، فعاد مكرهم في نحورهم ، ورد اللّه كيدهم في صدورهم .
فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب ، الذي هو سنة اللّه في الأولين ، التي لا تبدل ولا تغير ، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد ، أن يحل به نقمته ، وتسلب عنه نعمته ، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء ، ما فعل بأولئك .
ثم بين ذلك بقوله : { اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ } أي : استكبروا عن اتباع آيات الله ، { وَمَكْرَ السَّيِّئِ } أي : ومكروا بالناس في صدِّهم إياهم عن سبيل الله ، { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ } [ أي : وما يعود وبال ذلك إلا عليهم{[24633]} أنفسهم دون غيرهم .
قال{[24634]} ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياك ومكر السيئ ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ]{[24635]} ، ولهم من الله طالب " ، {[24636]} ، وقد قال محمد بن كعب القُرَظِي : ثلاث من فعلهن لم ينجُ حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث ، وتصديقها في كتاب الله : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ } . { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } [ يونس : 23 ] ، { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [ الفتح : 10 ] .
وقوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ } يعني : عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره{[24637]} ، { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا } أي{[24638]} لا تغير ولا تبدل ، بل هي جارية كذلك في كل مكذب ، { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا } أي : { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ } [ الرعد : 11 ] ، ولا يكشف ذلك عنهم ، ويحوله عنهم أحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.