معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

قوله تعالى : { فجعلناها } . أي جعلنا عقوبتهم بالمسخ .

قوله تعالى : { نكالاً } . أي عقوبة وعبرة ، والنكال اسم لكل عقوبة ينكل الناظر من فعل ما جعلت العقوبة جزاء عليه ، ومنه النكول عن اليمين وهو الامتناع ، وأصله من النكل وهو القيد ، ويكون جمعه : أنكالاً .

قوله تعالى : { لما بين يديها } . قال قتادة : أراد بما بين يديها يعني ما سبقت من الذنوب ، أي جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدم من ذنوبهم قبل نهيهم عن أخذ الصيد .

قوله تعالى : { وما خلفها } . ما حضر من الذنوب التي أخذوا بها ، وهي العصيان بأخذ الحيتان ، وقال أبو العالية و الربيع : عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم أن يستنوا بسنتهم ، وما الثانية : بمعنى من ، وقيل : جعلناها أي جعلنا قرية أصحاب السبت عبرة لما بين يديها ، أي القرى التي كانت مبنية في الحال ، وما خلفها وما يحدث من القرى من بعد ليتعظوا ، وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : فجعلناها وما خلفها ، أي ما أعد لهم من العذاب في الآخرة ، نكالاً وجزاء لما بين يديها أي لما تقدم من ذنوبهم باعتدائهم في السبت .

قوله تعالى : { وموعظة للمتقين } . للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يفعلون مثل فعلهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

وجعل الله هذه العقوبة { نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } أي : لمن حضرها من الأمم ، وبلغه خبرها ، ممن هو في وقتهم . { وَمَا خَلْفَهَا } أي : من بعدهم ، فتقوم على العباد حجة الله ، وليرتدعوا عن معاصيه ، ولكنها لا تكون موعظة نافعة إلا للمتقين ، وأما من عداهم فلا ينتفعون بالآيات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

40

ومضت هذه الحادثة عبرة رادعة للمخالفين في زمانها وفيما يليه ، وموعظة نافعة للمؤمنين في جميع العصور :

( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ( 66 )

والضمير في { جعلناها } : يحتمل العود على المسخة والعقوبة ، ويحتمل على الأمة التي مسخت ، ويحتمل على القردة ، ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها( {[752]} ) ، وقيل يعود على الحيتان ، وفي هذا القول بعد .

والنكال : الزجر بالعقاب ، والنكل والأنكال : قيود الحديد ، فالنكال عقاب ينكل بسببه غير المعاقب عن أن يفعل مثل ذلك الفعل( {[753]} ) ، قال السدي : ما بين يدي المسخة : ما قبلها من ذنوب القوم ، { وما خلفها } : لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب( {[754]} ) ، وهذا قول جيد ، وقال غيره : «ما بين يديها » أي من حضرها من الناجين ، { وما خلفها } أي لمن يجيء بعدها ، وقال ابن عباس : { لما بين يديها } : أي من بعدهم من الناس ليحذر ويتقي ، { وما خلفها } : لمن بقي منهم عبرة .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وما أراه يصح عن ابن عباس رضي الله عنه ، لأن دلالة ما بين اليد ليست كما في القول ، وقال ابن عباس أيضاً : { لما بين يديها وما خلفها } ، أي من القرى( {[755]} ) ، فهذا ترتيب أجرام لا ترتيب في الزمان( {[756]} ) .

{ وموعظة } مفعلة من الاتعاظ والازدجار ، { وللمتقين } معناه للذين نهوا ونجوا ، وقالت فرقة : معناه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، واللفظ يعم كل متق من كل أمة .


[752]:- الظاهر رجوع الضمير إلى المسخة بمعنى العقوبة، أو إلى القرية بمعنى الأمة، إذ المراد بالقرية أهلها، وأهلها هم الأمة التي مسخت، وعود الضمير على القردة أو الحيتان بعيد.
[753]:- يقال: نكل عن الأمر (بالفتح والكسر): جبن وانصرف، وانكله: دفعه وصرفه- ونكل به: عاقبه بما يردعه ويردع غيره- والنكال العقاب أو النازلة والنكل: القيد، وضرب من اللجم، وحديد اللجم، وحديد اللجام أو الزمام- والجمع أنكال ونكول. قال تعالى: (إن لدينا أنكالا) أي قيودا. والمراد لازم القيود وهو المنع- وعلى هذا يكون المراد: جعلنا العقوبة مانعة لما بين يديها وما خلفها، والله أعلم.
[754]:- قال الفراء: جعلت السمخة نكالا لما مضى من الذنوب، ولما يعمل بعدها ليخافوا المسخ بذنوبهم، والمراذ ذنوب تقدمت وأهلها ما زالوا في الحياة إذ ذاك، فهم يخافون أن يفاجئهم المسخ بسبب ما مضى من ذنوبهم، والله أعلم.
[755]:- أي ما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى، ونحو ما قاله ابن عباس لسعيد بن جبير حيث قال: من بحضرتها من الناس يومئذ، وقد أثنى على هذا ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن وهذا ترتيب في المكان لا في الزمان.
[756]:- أي في "مكان الأجرام" لا في الزمان الماضيت ولا في الزمان الآتي، والله أعلم.