البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

النكال : العبرة ، وأصله المنع ، والنكل : القيد .

وقال مقاتل : النكال : العقوبة اليد : عضو معروف أصله يدي ، وقد صرّح بهذا الأصل ، وقد أبدلوا ياءه همزة قالوا : قطع الله أديه : يريدون يديه ، وجمعت على أفعل ، قالوا : أيد ، أصله : أيدي ، وقد استعملت للنعمة والإحسان .

وأما الأيادي فهو في الحقيقة جمع جمع ، واستعماله في النعمة أكثر من استعماله للجارحة ، كما أن استعمال الأيدي في الجارحة أكثر منه في النعمة .

خلف : ظرف مكان مبهم ، وهو متوسط التصرف ، ويكون أيضاً وصفاً ، يقال رجل خلف : بمعنى رديء ، وسكت ألفاً ونطق خلفاً : أي نطقاً رديئاً .

موعظة : مفعلة ، من الوعظ ، والوعظ : الإذكار بالخير بما يرق له القلب ، وكسر عين الكلمة فيما كان على هذا الوزن وعلى مفعل هو القياس ، وقد شذ : موءلة وكلم ، ذكرها النحويون جاءت مفتوحة العين .

{ فجعلناها } : الضمير عائد على القرية أو على الأمة ، أو على الحالة ، أو على المسخة ، أو على الحيتان ، أو على العقوبة .

والذي يظهر أن الضمير عائد على المصدر المفهوم من : كونوا ، أي فجعلنا كينونتهم قردة خاسئين .

{ نكالاً } : أي عبرة ، وهو مفعول ثانٍ لجعل .

{ لما بين يديها وما خلفها } : أي من القرى ، والضمير للقرية ، قاله عكرمة عن ابن عباس ، أو لمن بعدهم من الأمم .

وما خلفها : أي الذين كانوا معهم باقين ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

أو ما بين يديها : أي ما دونها ، وما خلفها يعني : لمن يأتي بعدهم من الأمم .

والضمير للأمة ، قاله السدي .

أو ما بين يديها من ذنوب القوم ، وما خلفها للحيتان التي أصابوا ، قاله قتادة .

أو لما بين يديها : ما مضى من خطاياهم التي أهلكوا بها ، قاله مجاهد .

أو لما بين يديها ممن شاهدها ، وما خلفها ممن لم يشاهدها ، قاله قطرب .

أو ما بين يديها من ذنوب القوم ، وما خلفها لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب .

أو لما بين يديها : من حضرها من الناجين ، وما خلفها ممن يجيء بعدها .

أو لما بين يديها من عقوبة الآخرة ، وما خلفها في دنياهم ، فيذكرون بها إلى قيام الساعة .

أو لما بين يديها : لما حولها من القرى ، وما خلفها : وما يحدث بعدها من القرى التي لم تكن ، لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين ، فاعتبروا بها ، واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين .

أو في الآية تقديم وتأخير ، أي فجعلناها وما خلفها مما أعد لهم في الآخرة من العذاب ، نكالاً وجزاء ، لا لما بين يديها ، أي لما تقدّم من ذنوبهم لاعتدائهم في السبت .

فهذه أحد عشر قولاً .

قال بعضهم : والأقرب للصواب قول من قال : ما بين يديها : من يأتي من الأمم بعدها .

وما خلفها : من بقي منهم ومن غيرهم لم تنلهم العقوبة ، ومن قال الضمير عائد على القرية ، فالمراد أهلها .

{ وموعضة للمتقين } : خص المتقين لأنهم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير ، قال تعالى : { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } { إنما أنت منذر من يخشاها } وقيل : أراد نكالاً لبني إسرائيل ، وموعظة للمتقين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

قيل : المتقون أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي عن أشياخه .

وقيل : اللفظ عام في كل متق من كل أمة ، قاله ابن عباس .

وقيل : الذين نهوا ونجوا .

/خ66