الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

قوله تعالى : " فجعلناها نكالا " نصب على المفعول الثاني . وفي المجعول نكالا أقاويل ، قيل : العقوبة . وقيل : القرية ، إذ معنى الكلام يقتضيها وقيل : الأمة التي مسخت . وقيل : الحيتان ، وفيه بعد . والنكال : الزجر والعقاب . والنكل والأنكال : القيود . وسميت القيود أنكالا لأنها ينكل بها ، أي يمنع . ويقال للجام الثقيل : نَكل{[850]} ونِكل ، لأن الدابة تمنع به ونكل عن الأمر ينكل ، ونكل ينكل إذا امتنع . والتنكيل : إصابة الأعداء بعقوبة تنكل من وراءهم ، أي تجبنهم . وقال الأزهري : النكال العقوبة . ابن دريد : والمنكل : الشيء الذي ينكل بالإنسان ، قال{[851]} :

فارم على أقفائهم بمَنْكَل

قوله تعالى : " لما بين يديها " قال ابن عباس والسدي : لما بين يدي المسخة ما قبلها من ذنوب القوم .

قوله تعالى : " وما خلفها " لمن يعمل مثل تلك الذنوب . قال الفراء : جعلت المسخة نكالا لما مضى من الذنوب ، ولما يعمل بعدها ليخافوا المسخ بذنوبهم . قال ابن عطية : وهذا قول جيد ، والضميران للعقوبة . وروى الحكم عن مجاهد عن ابن عباس : لمن حضر معهم ولمن يأتي بعدهم . واختاره النحاس . قال : وهو أشبه بالمعنى ، والله أعلم . وعن ابن عباس أيضا . " لما بين يديها وما خلفها " من القرى . وقال قتادة : " لما بين يديها " من ذنوبهم " وما خلفها " من صيد الحيتان .

قوله تعالى : " وموعظة للمتقين " عطف على نكال ، ووزنها مفعلة من الاتعاظ والانزجار . والوعظ : التخويف . والعظة الاسم . قال الخليل : الوعظ التذكير بالخير فيما يرق له القلب . قال الماوردي : وخص المتقين وإن كانت موعظة للعالمين لتفردهم بها عن الكافرين المعاندين . قال ابن عطية : واللفظ يعم كل متق من كل أمة وقال الزجاج " وموعظة للمتقين " لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن ينتهكوا من حرم الله جل وعز ما نهاهم عنه : فيصيبهم ما أصاب أصحاب السبت إذ انتهكوا حرم الله في سبتهم .


[850]:هذه الكلمة موجودة في بعض نسخ الأصل، ومعاجم اللغة لا تؤيده. والذي بها هو بالكسر لا غير.
[851]:القائل رياح المؤملي. وقبله: *يا رب أشقاني بنو مؤمل* وبعده: بصخرة أو عرض جيش جحفل (عن شرح القاموس).