الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

قوله تعالى : { نَكَالاً } : مفعولٌ ثانٍ لجَعَلَ التي بمعنى صَيَّر والأولُ هو الضميرُ وفيه أقوالٌ ، أحدُها : يعود على المَسْخَة . وقيل : على القريةِ لأنَّ الكلامَ يقتضيها كقولِه : { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } [ العاديات : 4 ] أي بالمكانِ . وقيل على العقوبة ، وقيل على الأمَّة . والنَّكالُ : المَنْعُ ، ومنه النِّكْلُ اسمٌ للقيد من الحديد واللِّجام لأنه يُمْنَعُ به ، وسُمِّي العِقابُ نكالاً لأنه يُمْنَعُ به غيرُ المعاقب أن يفعلَ فِعْلَه ، ويَمْنَعُ المُعاقَبَ أن يعودَ إلى فِعْلِه الأولِ . والتنكيلُ : إصابةُ الغيرِ بالنَّكالِ ليُرْدَعَ غيرُه ، ونَكَلَ عن كَذا يَنْكُل نُكولاً امتنع ، وفي الحديثِ : " إنَّ الله يحبُ الرجلَ النَّكَل " أي : القوي على الفرس . والمَنْكَلُ ما يُنَكَّل به الإِنسان قال :

فارمِ على أَقْفائِهم بِمَنْكَلِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والضميرُ في يديهَا وخلفها كالضميرِ في { جَعَلْنَاهَا } .

قوله : { وَمَوْعِظَةً } عطفٌ على { نَكَالاً } وهي مَفْعِلَة من الوعظ وهو التخويف ، وقال الخليل : " التذكيرُ بالخيرِ فيما يَرِقُّ له القَلْبُ ، والاسمُ : العِظَةُ كالعِدَة والزِنَة . و " للمتقين " متعلقٌ بِمَوْعِظة . واللامُ للعلة ، وخُصَّ المتقين بالذِّكْرِ ، وإن كانَتْ موعظةً لجميعِ العالَم : البَرِّ والفاجِرِ ، لأن المنتفعَ بها هم هؤلاء دونَ مَنْ عَدَاهم ، ويجوزُ أَنْ تكونَ اللامُ مقويةً ، لأنَّ " موعظة " فَرْعٌ على الفِعْلِ في العملِ فهو نظيرٌ { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] ، فلا تعلُّق لها لزيادتها ، ويجوز أَنْ تكونَ متعلقةً بمحذوفٍ لأنها صفةٌ لموعظةً ، أي : موعظةً كائنةً للمتقين .