اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

" فَجَعَلْنَاهَا " فعل وفاعل ومفعول .

" نَكَالاً " مفعول ثانٍ ل " جعل " التي بمعنى " صير " ، والأول هو الضمير ، وفيه أقوال :

أحدها : يعود على المَسْخَة .

وقيل : على القرية ، لأن الكلام يقتضيها كقوله : { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } [ العاديات : 4 ] أي : بالمكان .

وقيل : على العقوبة .

وقيل : على الأمة .

" النكال " : المنع ، ومنه : النّكل ، والنِّكلْ : اسم للقيد من الحديد ، واللِّجَام ؛ لأنه يُمنع به ، وسمي العقاب نَكَالاً ؛ لأنه يُمنْع به غير المعاقب أن يفعل فِعْلَه ، ويمنع المعاقب أن يعود إلى فَعله الأول .

و " التنكيل " : إصابة الغير بالنِّكَال لِيُردَعَ غيره ، ونَكَلَ عن كذا يَنْكلُ نُكُولاً : امتنع ، وفي الحديث : " إنّ الله يحب الرُّجُلَ النِّكل{[14]} " أي : القوي على الغرس .

" والْمَنْكَل " : مَا يُنكَّلُ به الإنسان ، قال : [ الرجز ]

567 فَارْمِ عَلَى أَقْفَائِهِمْ بِمَنْكَلِ *** . . .

والمعنى : أنا جعلنا ما جرى على هؤلاء عقوبة رادعة لغيرهم .

والضمير في " يَدَيْهَا " و " خلفها " كالضمير في " جَعَلْنَاهَا " .

قال ابن الخطيب : لما قبلها وما معها وما بعدها من الأمم والقرون ، لأن مَسْخَهُمْ ذكر في كتب الأولين ، فاعتبروا بها ، " ما يحضرها من [ القرون ]{[15]} والأمم . وما خَلْفَهَا من بعدهم .

وقال الحَسَنُ : عقوبة لجميع ما ارتكبوه من هذا الفعْلِ ، وما بعده .

و " مَوْعِظَةً " عطف على " نَكَالاً " وهي " مَفعِلَةٌ " ، من الوَعْظ وهو التخويف .

وقال الخليل : " التذكير بالخير فيما يرق له القلب " .

والاسم : " العظة " ك " العِدَة " و " الزِّنَة " و " لِلْمُتَّقِينَ " متعلّق ب " موعظة " ، واللام للعلّة ، وخصّ المتّقين بالذِّكر وإن كانت موعظةً لجميع العالم البَرّ والفاجر ؛ لأن المنتفع بها هم المتقون دون غيرهم ، ويجوز أن تكون اللام [ مقوية ]{[16]} ؛ لأن " موعظة " فرع على الفعل في العمل فهو نظير { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] فلا تعلّق لها لزيادتها ، ويجوز أن تكون متعلّقة بمحذوف ؛ لأنها صفة ل " موعظة " .

أي : موعظة كائنة للمتّقين ، أي : يعظ المتقون بعضهم بعضاً .


[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.