معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (28)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } الآية ، قال الضحاك و أبو عبيدة : نجس : قذر . وقيل : خبيث . وهو مصدر يستوي فيه الذكر والأنثى والتثنية والجمع ، فأما النجس : بكسر النون وسكون الجيم ، فلا يقال على الانفراد ، إنما يقال : رجس نجس ، فإذا أفرد قيل : نجس ، بفتح النون وكسر الجيم ، وأراد به : نجاسة الحكم لا نجاسة العين ، سموا نجسا على الذم . وقال قتادة : سماهم نجسا لأنهم يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضئون .

قوله تعالى : { فلا يقربوا المسجد الحرام } ، أراد منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، وأراد به الحرم هذا كما قال الله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام } [ الإسراء-1 ] ، وأراد به الحرم لأنه أسرى به من بيت أم هانئ . قال الشيخ الإمام الأجل : وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام : أحدها : الحرم ، فلا يجوز للكافر أن يدخله بحال ، ذميا كان أو مستأمنا ، لظاهر هذه الآية ، وإذا جاء رسول من بلاد الكفار إلى الإمام والإمام في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم ، بل يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم . وجوز أهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم . والقسم الثاني من بلاد الشام : الحجاز ، فيجوز للكافر دخولها بالإذن ولكن لا يقيم فيها أكثر من مقام السفر وهو ثلاثة أيام ، لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لئن عشت إن شاء الله تعالى لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما " . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى فقال : " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " ، فلم يتفرغ لذلك أبو بكر رضي الله عنه ، وأجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته ، وأجل لمن يقدم منهم تاجرا ثلاثا . وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام . والقسم الثالث : سائر بلاد الإسلام ، فيجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة وأمان ، ولكن لا يدخلون المساجد إلا بإذن مسلم .

قوله تعالى : { بعد عامهم هذا } ، يعنى : العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه بالناس ، ونادى علي كرم الله وجهه ببراءة ، وهو سنة تسع من الهجرة .

قوله تعالى : { وإن خفتم عيلة } ، وذلك أن أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يأتون مكة بالطعام ويتجرون ، فلما منعوا من دخول الحرم خافوا الفقر ، وضيق العيش ، وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { وإن خفتم عيلة } فقرا وفاقة . يقال : عال يعيل علية إذا افتقر .

قوله تعالى : { فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم } ، قال عكرمة : فأغناهم الله عز وجل بأن أنزل عليهم المطر مدرارا فكثر خيرهم . وقال مقاتل : أسلم أهل جدة وصنعاء وجريش من اليمن وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله ما كانوا يخافون . وقال الضحاك وقتادة : عوضهم الله منها الجزية فأغناهم بها وذلك قوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (28)

{ 28 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ } باللّه الذين عبدوا معه غيره { نَجَسٌ } أي : خبثاء في عقائدهم وأعمالهم ، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع اللّه آلهة لا تنفع ولا تضر ، ولا تغني عنه شيئا ؟ " .

وأعمالهم ما بين محاربة للّه ، وصد عن سبيل اللّه ونصر للباطل ، ورد للحق ، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح ، فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت وأطهرها عنهم .

{ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } وهو سنة تسع من الهجرة ، حين حج بالناس أبو بكر الصديق ، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عليا ، أن يؤذن يوم الحج الأكبر ب { براءة } فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .

وليس المراد هنا ، نجاسة البدن ، فإن الكافر كغيره طاهر البدن ، بدليل أن اللّه تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها ، ولم يأمر بغسل ما أصاب{[366]}  منها .

والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار ، ولم ينقل عنهم أنهم تقذروا منها ، تَقَذُّرَهْم من النجاسات ، وإنما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية ، بالشرك ، فكما أن التوحيد والإيمان ، طهارة ، فالشرك نجاسة .

وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ } أيها المسلمون { عَيْلَةً } أي : فقرا وحاجة ، من منع المشركين من قربان المسجد الحرام ، بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية ، { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } فليس الرزق مقصورا على باب واحد ، ومحل واحد ، بل لا ينغلق باب إلا وفتح غيره أبواب كثيرة ، فإن فضل اللّه واسع ، وجوده عظيم ، خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم ، فإن اللّه أكرم الأكرمين .

وقد أنجز اللّه وعده ، فإن اللّه قد أغنى المسلمين من فضله ، وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك .

وقوله : { إِنْ شَاءَ } تعليق للإغناء بالمشيئة ، لأن الغنى في الدنيا ، ليس من لوازم الإيمان ، ولا يدل على محبة اللّه ، فلهذا علقه اللّه بالمشيئة .

فإن اللّه يعطي الدنيا ، من يحب ، ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان والدين ، إلا من يحب .

{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : علمه

واسع ، يعلم من يليق به الغنى ، ومن لا يليق ، ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها .

وتدل الآية الكريمة ، وهي قوله { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } أن المشركين بعد ما كانوا ، هم الملوك والرؤساء بالبيت ، ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول اللّه والمؤمنين ، مع إقامتهم في البيت ، ومكة المكرمة ، ثم نزلت هذه الآية .

ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يجلوا من الحجاز ، فلا يبقى فيها دينان ، وكل هذا لأجل بُعْدِ كل كافر عن المسجد الحرام ، فيدخل في قوله { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }


[366]:- الجملة غير واضحة في أ، وأقرب ما تكون أنها: (ولم يأمر أن يغتسل مما أصاب).
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (28)

عندما يبلغ السياق إلى هذا المقطع ، ويلمس وجدان المسلمين بالذكرى القريبة من التاريخ ، ينهي القول في شأن المشركين . ويلقي الكلمة الباقية فيهم إلى يوم الدين :

( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ؛ وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء . إن الله عليم حكيم ) . .

إنما المشركون نجس . يجسم التعبير نجاسة أرواحهم فيجعلها ماهيتهم وكيانهم . فهم بكليتهم وبحقيقتهم نجس ، يستقذره الحس ، ويتطهر منه المتطهرون ! وهو النجس المعنوي لا الحسي في الحقيقة ، فأجسامهم ليست نجسة بذاتها . إنما هي طريقة التعبير القرآنية بالتجسيم .

( نجس . فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) . .

وتلك غاية في تحريم وجودهم بالمسجد الحرام ، حتى لينصب النهي على مجرد القرب منه ، ويعلل بأنهم نجس وهو الطهور !

ولكن الموسم الاقتصادي الذي ينتظره أهل مكة ؛ والتجارة التي يعيش عليها معظم الظاهرين في الجزيرة ؛ ورحلة الشتاء والصيف التي تكاد تقوم عليها الحياة . . . أنها كلها ستتعرض للضياع بمنع المشركين من الحج ؛ وبإعلان الجهاد العام على المشركين كافة . . .

نعم ! ولكنها العقيدة . والله يريد أن تخلص القلوب كلها للعقيدة !

وبعد ذلك ، فالله هو المتكفل بأمر الرزق من وراء الأسباب المعهودة المألوفة :

( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) . .

وحين يشاء الله يستبدل أسبابا بأسباب ؛ وحين يشاء يغلق بابا ويفتح الأبواب . .

( إن الله عليم حكيم ) . .

يدبر الأمر كله عن علم وعن حكمة ، وعن تقدير وحساب . .

لقد كان المنهج القرآني يعمل ، في المجتمع المسلم الذي نشأ من الفتح ؛ والذي لم تكن مستوياته الإيمانية قد تناسقت بعد . .

وكما أننا نلمح من خلال السياق في هذا المقطع ما كان يعتور هذا المجتمع من ثغرات . فكذلك نلمح عمل المنهج القرآني في سد هذه الثغرات . ونلمح الجهد الطويل المبذول لتربية هذه الأمة بهذا المنهج القرآني الفريد .

إن القمة التي كان المنهج القرآني ينقل خطى هذه الأمة لتبلغ إليها ، هي قمة التجرد لله ، والخلوص لدينه . وقمة المفاصلة على أساس العقيدة مع كل أواصر القربى وكل لذائذ الحياة . وكان هذا يتم من خلال ما يبثه المنهج القرآني من وعي لحقيقة الفوارق والفواصل بين منهج الله الذي يجعل الناس كلهم عبيدا لله وحده ، ومنهج الجاهلية الذي يجعل الناس أربابا بعضهم لبعض . . وهما منهجان لا يلتقيان . . ولا يتعايشان . .

وبدون هذا الفقه الضروري لطبيعة هذا الدين وحقيقته ، وطبيعة الجاهلية وحقيقتها ؛ لا يملك إنسان أن يقوم الأحكام الإسلامية ، التي تقرر قواعد المعاملات والعلاقات بين المعسكر المسلم وسائر المعسكرات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (28)

قال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما : صفة المشرك بالنجس إنما كانت لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل ، وقال ابن عباس وغيره : بل معنى الشرك هو الذي كنجاسة الخمر ، قال الحسن البصري : من صافح مشركاً فليتوضأ .

قال القاضي أبو محمد : فمن قال بسبب الجنابة أوجب الغسل على من يسلم من المشركين ، ومن قال بالقول الآخر لم يوجب الغسل ، والمذهب كله على القول بإيجاب الغسل إلا ابن عبد الحكم فإنه قال : ليس بواجب ، وقرا أبو حيوة «نِجْس » بكسر النون وسكون الجيم{[5585]} ، ونص الله تعالى في هذه الآية على المشركين وعلى المسجد الحرام ، فقاس مالك رحمه الله غيره جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين ، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد وكذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع }{[5586]} ، وقال الشافعي هي عامة في الكفار خاصة في المسجد الحرام ، فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد ، ومن حجته حديث ربط ثمامة بن أثال{[5587]} ، وقال أبو حنيفة هي خاصة في عبدة الأوثان وفي المسجد الحرام ، فأباح دخول اليهود والنصارى في المسجد الحرام وغيره ، ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد ، وقال عطاء : وصف المسجد بالحرام ومنع القرب يقتضي منعهم من جميع الحرم .

قال القاضي أبو محمد : وقوة قوله { فلا يقربوا } يقتضي أمر المسلمين بمنعهم ، وقال جابر بن عبد الله وقتادة : لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية أو عبداً لمسلم ، وعبدة الأوثان مشركون بإجماع ، واختلف في أهل الكتاب ، فمذهب عبد الله بن عمر وغيره أنهم مشركون ، وقال جمهور أهل العلم ليسوا بمشركين ، وفائدة هذا الخلاف تتبين في فقه مناكحهم وذبائحهم وغير ذلك ، وقوله { بعد عامهم هذا } يريد بعد عام تسع من الهجر وهو عام حج أبو بكر بالناس وأذن علي بسورة براءة{[5588]} ، وأما قوله { وإن خفتم عيلة } قال عمرو بن فائد : المعنى وإذ خفتم .

قال القاضي أبو محمد : وهذه عجمة والمعنى : بارع ب [ إن ] ، وكان المسلمون لما منع المشركون من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في نفوسهم الخوف من الفقر وقالوا : من أين نعيش ؟ فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله ، قال الضحاك : ففتح عليهم باب أخذ الجزية من أهل الذمة ، بقوله { قاتلوا الذين لا يؤمنون } [ التوبة : 29 ] إلى قوله { وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] ، وقال عكرمة : أغناهم بإدرار المطر عليهم .

قال القاضي أبو محمد : وأسلمت العرب فتمادى حجهم وتجرهم{[5589]} وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم ، و «العيلة » الفقر ، يقال : عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ، قال الشاعر : [ أحيحة ]

وما يدري الفقير متى غناه*** وما يدري الغني متى يعيل{[5590]}

وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود ، «عايلة » وهو مصدر كالقايلة من قال يقيل ، وكالعاقبة والعافية ، ويحتمل أن تكون نعتاً لمحذوف تقديره حالاً عائلة ، وحكى الطبري أنه يقال :عال يعول إذا افتقر .


[5585]:- وهذا على تقدير حذف الموصوف، أي: جنس نجس، أو ضرب نجس، وهو اسم فاعل من (نجس) فخففوه بعد الإتباع.
[5586]:- من الآية (36) من سورة (النور).
[5587]:- خالف ابن العربي الإمام الشافي في رأيه وفي حجته بحديث ثُمامة هذا فقال: "وهذا جمود منه (أي من الشافعي) على الظاهر، لأن قوله عز وجل: {إنما المشركون نجس} تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة، فإن قيل: فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثُمامة في المسجد وهو مشرك، قيل: أجاب علماؤنا عن هذا الحديث- وإن كان صحيحا- بأجوبة أحدها: أن ذلك كان متقدما على نزول الآية". وقد نقل القرطبي رأي ابن العربي هذا تعقيبا على رأي الشافعي.
[5588]:- قال قتادة: بل سنة عشر، وأيّده ابن العربي فقال: "وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ، وإن من العجب أن يقال: إنه سنة تسع وهو العام الذي وقع فيه الأذان، ولو دخل غلام رجل داره يوما فقال له مولاه: لا تدخل هذه الدار بعد يومك، لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه". نقل ذلك أيضا القرطبي عن ابن العربي.
[5589]:- يقال: تجر تجرا وتجارة: مارس البيع والشراء، ويقال: اتّجر، ويقال: تاجر فلان فلانا: اتّجر معه (المعجم الوسيط).
[5590]:- قال هذا البيت أحيحة بن الحلاج، من أربعة أبيات ذكرها صاحب اللسان في عيل. وعال يعيل من باب ضرب، والمصدر: عيلة وعيُول.