( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) اختلف فيه : قال بعضهم : النهي عن دخول المسجد الحرام نفسه . وعندنا أن النهي عن دخول المسجد الحرام نهي عن دخول مكة نفسه للحج وإقامة العبادات . دليله [ في ][ ساقطة من الأصل وم ] وجوه :
أحدها : قوله : ( بعد عامهم هذا ) ولو كان لدخول المسجد لكان ذلك العام أحق في المنع من دخوله على غيره .
والثاني : قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وخوف العيلة إنما يكون عن دخول[ من م ، في الأصل : دخوله ] مكة ؛ لأنه لو كان النهي عن دخول المسجد نفسه لكان لا خوف عليهم في ذلك } لأنهم يحضرون ، ويدخلون مكة للتجارة ، فلا خوف عليهم في ذلك .
والثالث[ في الأصل وم : أو ] : أن يقال : إنه ذكر المسجد الحرام لما أنهم كانوا يقصدون البيت والحج به ، فيكون النهي عن دخول المسجد نهيا عن الحج نفسه : وهو ما رُوي في الخبر أنه بعث عليا في الموسم بأربع ، وأمره أن ينادي في الناس : «ألا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد ، فأجله إلى مدته ، فإنه ( برئ من المشركين ورسوله )[ التوبة : 3 ] ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحج بعد العام مشرك »[ أدرج هذا الخبر في تفسير الآية الخامسة ( ص109 ) ][ البخار : 369 ] .
فالنهي الذي ورد عن دخول المسجد إنما هو نهي عن الحج نفسه ؛ لأن البيت هو الذي يُقصد إليه فيه . ألا ترى أنه قال : ( ولله على الناس حج البيت )الآية[ آل عمران : 93 ] وقال ( فمن حج البيت أو اعتمر ) الآية[ البقرة : 158 ] وقال ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) ؟ [ الحج : 29 ] ذكر البيت ، وهو المقصود بالحج في الإسلام والكفر جميعا . فعلى ذلك خرج النهي ، لكنه ذكر المسجد لما أن البيت فيه . فإذن كان ما ذكرنا .
فإن شئت فاجعل آخر الآية تفسير أولها [ وهو ][ ساقطة من الأصل وم ] قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وهو ما ذكرنا أن النهي لو كان لدخول المسجد نفسه دون غيره من البقعة لكان ليس عليهم خوف العيلة ؛ لأنهم يدخلون مكة ، ويتجرون فيها ، ولا يدخلون المسجد .
وإن شئت فاجعل أول الآية تفسير آخرها ، وهو قوله : ( فلا يقربوا/210-ب/ المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) وهو ما ذكرنا . فإذا كان ما ذكرنا دل أن المشرك لا يدخل المسجد الحرام ، [ وخبر ][ من م ساقطة من الأصل ] علي بن أبي طالب رضي الله عنه[ يدل أيضا ][ في الأصل : أيضا يدل ] على ذلك . فأما من كان من أهل الذمة ، والعبيد منهم ، فليسوا ، والله أعلم ، بداخلين في الآية ، إذا كانوا ممن لا يحج .
فإن قيل : إنه[ في الأصل وم : ان ] روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه نادى : [ ألا لا يدخل الحرم مشرك ، ولم يذكر الحج قيل له رُوي أنه قال : نادين ألا يحج بعد العام مشرك ، فيكون قوله : لا يدخل الحرم مشرك على الحج على ما ذكرنا . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «لا يقرب المشركون المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدا أو أمة » يحتمل استثناء العبد والأمة لأن العبد لا يدخل للحج ولإقامة العبادة إنما يدخل لخدمة المولى إذا كان مسلما . وفي بعض الأخبار «إلا أحدا من أهل الذمة »[ السيوطي في الدر المنثور4/164 ] وفيه دلالة لقول أبي حنيفة : إن لا بأس للكافر أن يدخل المسجد . وقوله[ في الأصل وم : وقال ] : أرأيت لو أراد أن يسمع كلام الله ليؤمن ، فيمنع عن ذلك ، [ ويروم المُسْمِع ][ في الأصل وم : ويوم ] إتيان ذلك المشرك ، ليسمع كلامه ، فيكون الأمر بإبلاغ المأمن لذلك . وقد ذكرنا أن ليس في ظاهر الآية دلالة النهي عن دخول المسجد بل المراد من ذرك المسجد ما ذكرنا من الحج وإقامة العبادة لغير الله .
ألا ترى إلى قول الله : ( والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد )[ الحج : 25 ] وأن سبيل مكة كلها هذا السبيل ؟ وكذلك قوله : ( ثم محلها إلى البيت العتيق )[ الحج : 33 ] والحرم كله منحر إلا أن المعنى في ذلك ، والله أعلم ، ما ذكرنا ألا يدخل المشركون حجاجا .
ألا ترى أنا لا نعلم أن المشركين لم يزالوا مقيمين في الحرم بعد النداء ، ولم ينجلوا عنه ؟ ومما يدل على ذلك أيضا قول الله ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم )[ التوبة : 7 ] فإن كان يعني به موضع العهد فإن ذلك العهد يوم الحديبية عند الشجرة فقد صار ذلك الموضع من المسجد الحرام ، وهو في المسافة[ في م : المساجد ] بعيد منه الذين عوهدوا ، فإنهم [ كانوا يوم نادى ][ في الأصل وم : كان يوم بدر نادى ] علي رضي الله عنه فذلك خارج من مكة ، لأن أهل [ مكة ][ ساقطة من الأصل وم ] قد كانوا قبل ذلك حين فتحها النبي محاصري المسجد الحرام ، هم لا خارج مكة [ بل ][ ساقطة من الأصل وم ] في الحرم وما حوله وقوله : «لا يقرب المسجد الحرام مشرك » يخرج على وجوه : أحدها : لا تدعوهم يقربوا المسجد الحرام ، والثاني : قولوا لهم : لا تقربوا المسجد الحرام ، والثالث : على اليسارة : أي إذا قلتم لهم ذلك فلا تقربوا بعد ذلك .
وقوله تعالى : ( إنما المشركون نجس ) أي أفعال المشركين نجس ، والعبادات التي يأتون فيها نجس ، وهو ما ذكر حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان )[ المائدة : 90 ] صير عمل الشيطان رجسا . فعلى ذلك العبادات التي يقيمونها نجس ، فالنهي عن الحج نهي عن إقامة العبادات لغير الله لأن تلك البقعة نزهت عن إقامة العبادات لغير الله .
ثم اختلف في [ في الأصل وم : فيه ] قوله : ( إنما المشركون نجس ) يُخرج مُخرج الذم ، ولا يحتمل أن يذموا ، ويُشتموا بنجاسة الأحوال . دل أنه إنما لحقهم ذلك الذم بما اكتسبوا من الأفعال الذميمة ، وهو كقوله : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان )[ المائدة : 90 ] أخبر أن عمل الشيطان رجس ونجس . فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : ( إنما المشركون نجس ) أي نجس[ في الأصل وم : نجسة ] الأفعال لأن ذلك من كسبهم ، فاستوجبوا المذمة لكسبهم . وأما الأحوال فلا صنع لهم فيها .
وقوله تعالى : ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) قيل : خافوا من العيلة لما نفي المشركون من مكة لأن معايش أهل مكة إنما [ كانت من الآفاق ، وبأهل الآفاق ][ في الأصل : كان من الآفاق ، في م : كان من الآفاق وبأهل الآفاق ] كان سعيهم وتجارتهم . لكن الله وعد لهم السعة والغنى بقوله : ( فسوف يغنيكم الله من فضله ) .
قال بعضهم : دل وقوله : ( إن شاء ) على أنه إنما وعد لهم الإغناء في بعض الأوقات ، وقال بعضهم : قوله : ( إن شاء ) كان من رسول الله لأنه أمر رسوله [ أن يقولوا ][ في الأصل : أنه يغنيهم ، في م : أن يغنيهم ] وهو مأمور أن يستثني في جميع [ ما ][ من م ، ساقطة من الأصل ] يعده كقوله ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ) ( إلا أن يشاء الله )[ الكهف : 23و24 ] .
ويحتمل أن يكون قوله : ( فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) بهؤلاء الذين نفوا عنهم[ في الأصل وم : عنه ] لأنه حبب إليهم التجارة والمكاسب وما ينالون [ من ][ ساقطة من الأصل وم ] الأرباح بها ؛ يحملهم ذلك على الإسلام فيسلمون ، فيدخلون فيها ، يحملهم حب التجارة على الإسلام ، فيكون لهم بهم غنى كما كان يحملهم حب التجارة والربح على[ في الأصل وم : عن ] الهجرة بقوله[ في الأصل وم : قوله ] : ( وتجارة تخشون كسادها )[ التوبة : 24 ] فعلى ذلك الأول .
وقال بعضهم : ( فسوف يغنيكم الله من فضله ) الجزية التي ذكرها في الآية [ التي تلي ][ في الأصل وم : تتلو ] هذه .
وقوله تعالى : ( إن الله عليم حكيم ) بما أضمروا من خوف العيلة ، أو ( عليم ) بما لهم وعليهم وبمن يكون[ في الأصل وم : يكن ] لهم الغنى ( حكيم ) في أمره وحكمه .
[ وفي قوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] ( وإن خفتم عيلة ) دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه معلوم أنهم أضمروا ذلك في أنفسهم ، ثم أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . دل أنه إنما عرف ذلك بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.