بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (28)

قوله تعالى : { رَّحِيمٌ يا أيها الذين ءامَنُواْ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } ، يعني : قذر ورجس ؛ ولم يقل أنجاس ، لأن النَّجَس مصدر والمصدر لا يثنَّى ولا يجمع ، { فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا } ؛ فهذه الآية من الآيات التي قرأها عليهم عليّ بن أبي طالب بمكة ، يعني : لا يدخلوا أرض مكة ، وقال مقاتل : يعني : الحرم كله ، وقال مالك بن أنس : لا يجوز للكفار أن يدخلوا المساجد ، لأن الله تعالى قال : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } كما أن الجنب لا يجوز له أن يدخل المسجد .

وقال الزهري : له أن يدخل جميع المساجد إلا المسجد الحرام ؛ وهو قول الشافعي رحمه الله وقال أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه : يجوز للذمي أن يدخل جميع المساجد ، لأن الكفار كانوا يدخلون مسجد المدينة ، إذا قدموا وافدين من قومهم . وهذه الآية نزلت في شأن أهل الحرب ، إنهم لا يدخلون المسجد الحرام بغير أمان ، ولا يكون لهم ولاية البيت . وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال : لا يدخلون المسجد الحرام إلا برق أو عهد .

{ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } ، يعني : حاجة وفقراً . وقال الزجاج العيلة الفقر ، كما قال الشاعر :

وَمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتَى غِنَاه . . . وَلاَ يَدْرِي الغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ

ثم قال : { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ } ؛ وذلك أنه لما منع المشركون من مكة ، قال أناس من التجار لأهل مكة : من أين تأكلون إذا فعلتم هذا ؟ فنزل { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ } ، يعني : من رزقه ؛ ففرحوا بذلك فأسلم أهل جدة وصنعاء من أهل اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة من البر والبحر وأغناهم الله تعالى بذلك ، يعني : أغناهم عن تجار الكفار بالمؤمنين . ثم قال : { إِن شَاء } ، يعني : يدوم لكم بمشيئة الله تعالى . { إِنَّ الله عَلِيمٌ } بخلقه { حَكِيمٌ } في أمره .