النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (28)

قوله عز وجل : { يَا أيُّهَا الذين آمنوا إنما المشركون نجس } فيه أربعة أقاويل :

أحدها أنهم أنجاس الأبدان كنجاسة الكلب والخنزير ، قاله عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، وقال الحسن مثله وأوجب الوضوء على من صافحتهم .

والثاني أنه سماهم أنجاسا لأنهم يجنبون ولا يغتسلون ، فصاروا لوجوب الغسل عليهم كالأنجاس وإن لم تكن أبدانهم أنجاسا ، قاله قتادة .

و الثالث أنه لما كان علينا أن نتجنبهم كما نتجنب الأنجاس ونمنعهم من مساجدنا كما نمنعها من الأنجاس ، فصاروا بالاجتناب في حكم الأنجاس . وهذا قول كثير من أهل العلم .

و الرابع : أن النجس هاهنا بمعنى الأخباث لما فيهم من خبث الظاهر بالكفر ، وخبث الباطن بالعداوة ، قاله مقاتل .

{ فلا تقربوا المسجد{[1216]} الحرام بعد عامهم هذا } فيه قولان ( أحدهما ) يعني سنة تسع من الهجرة وهو العام الذي حج الناس فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه . ( والثاني ) سنة عشر وهي حجة الوداع ، قاله قتادة .

ثم في منع المشركين منه قولان : ( أحدهما ) أن جميعهم ممنوع منه من حربي وذمي ، قاله الجمهور . ( والثاني ) أنهم ممنوعون منه إلا الذمي والعبد المملوك لمسلم ، قاله جابر بن عبد الله وقتادة .

{ وإن خفتم عيلة } فيه وجهان : ( أحدهما ) ضيعة من تقوتونه من العيال . ( والثاني ) يعني بالعيلة الفقر والفاقة بمنع المشركين من الحرم . قال الشاعر{[1217]} :

و ما يدري الفقير متى غناه *** و ما يدري الغني متى يعيل

وهي في قراءة ابن مسعود " عائلة " يعني خصلة شاقة ، يقال عالني الأمر إذا شق واشتد .

وفي قوله تعالى : { فسوف يغنيكم الله من فضله } ثلاثة أقاويل : ( أحدها ) بالمطر والنبات . ( والثاني ) بالجزية المأخوذة منهم ، قاله مجاهد وقتادة . و( الثالث ) أنه على العموم في كل ما يغني .

وقوله تعالى : { إن شاء } يعلمهم أن الغنى لا يكون بالاجتهاد والسعي و إنما هو من الله سبحانه في إغناء من شاء حثا على طاعته وتحذيرا من معصيته .


[1216]:قال أهل المدينة: الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد، وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يمنع اليهودي والنصراني من دخول المسجد الحرام ولا غيره.
[1217]:هو أحيحة كما في اللسان. وقد سقط ما بين الزاويتين من ق.