الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (28)

قوله : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } ، إلى قوله : { وهم صاغرون }[ 28 ، 29 ] .

ومعنى الآية : أن الله أمر المؤمنين أن يمنعوا المشركين من دخول المسجد الحرام . وقوله : { نجس } .

قال قتادة : " النجس " هنا : الجُنُب {[28460]} .

وأصل " النجس " : القذر {[28461]} . وإذا ذكرت قبل " النجس " : " الرجس " كسرت " النون " {[28462]} ، وأسكنت " الجيم " ، فقلت : هو رِجس نِجس على الاتباع {[28463]} .

وعنى بذلك : الحرم كله أن يمنعوا من دخوله ، وعلى ذلك قال عطاء : الحرم كله قبلة ومسجد {[28464]} .

وبظاهر هذه الآية يجب على المشرك إذا أسلم أن يغتسل ، وقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلمّ {[28465]} . وهو مذهب مالك {[28466]} ، وابن حنبل ، ولم يوجبه {[28467]} الشافعي واستحبه {[28468]} ، قال : إلا أن يكون يعلم أنه جُنُب فعليه أن يغتسل {[28469]} .

وقال الثوري ، والشافعي : ثياب المشركين على الطهارة حتى تعلم النجاسة ، واستحبا غسل الإزار والسراويل {[28470]} .

وقال مالك : إذا صلى في ثوب كان المشرك يلبسه ، أعاد من الصلاة ما كان في وقته .

وأكثرهم على أن لا بأس بالصلاة فيما نسجوا ، وهو مذهب مالك {[28471]} .

وهذه الآية ناسخة ، لما كان النبي عليه السلام ، قد صالح عليه المشركين أن لا يمنع أحد من البيت {[28472]} .

قال مالك : يمنع المشركون كلهم من أهل {[28473]} الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ، ودخول كل المساجد . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وقتادة {[28474]} .

وقال الشافعي : يمنع المشركون جميعا من دخول الحرم ، ولا يمنعون من دخول سائر المساجد {[28475]} .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ، ولا من غيره ، ولا يمنع من ذلك إلا المشركون أهل الأوثان {[28476]} .

وقول الله عز وجل ، في اليهود والنصارى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا [ من دون الله {[28477]} ] }[ 31 ] الآية ، يدل على جوازهم تسميهم مشركين ، وقد نص الله على ذلك بقوله : { عما يشركون } في آخر الآية .

وقوله : { بعد عامهم هذا }[ 28 ] .

هو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه بالناس ، ونادى علي ب : " براءة " في الموسم ، /وذلك لتسع سنين مضين من الهجرة ، وحج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوادع في العام المقبل سنة عشر من الهجرة {[28478]} .

وقوله : { وإن خفتم عيلة }[ 28 ] .

[ أي {[28479]} ] : إن خفتم ، أيها المؤمنون ، فقرا ، بمنعنا {[28480]} المشركين أن يأتوكم إلى الحرم بالتجارات ، { فسوف يغنيكم الله من فضله } {[28481]}[ 28 ] ، فأغناهم الله بأخذ الجزية منهم بقوله : { قاتلوا الذين لا يومنون بالله } ، إلى قوله : { حتى يعطوا الجزية }[ 29 ] {[28482]} .

وقيل : أغناهم بإدرار المطر عليهم {[28483]} .

قال ابن عباس : ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزَن ، عن منع المشركين من دخول الحرم ، وقال لهم : من أين تأكلون ، وقد انقطعت عنكم العير {[28484]} ؟ فأنزل الله عز وجل : { وإن خفتم عيلة } الآية {[28485]} .

{ إن الله عليم } .

أي : عليم بما حدثتكم به نفوسكم من خوف العيلة ، بمنعنا {[28486]} المشركين أن يأتوا إليكم ، وبغير ذلك من مصالحكم {[28487]} ، { حكيم }[ 28 ] ، في تدبيره {[28488]} .

و " العيلة " مصدر " عال يعيل " : إذا افتقر {[28489]} .

وحكي : " عال يعول " [ في ] {[28490]} الفاقة {[28491]} .

وبمصحف عبد الله : " عائلة " {[28492]} ، أي : خصلة شاقة ، يقال : عالني الأمر ، أي : شق عليّ واشتد {[28493]} .


[28460]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/271، وجامع البيان 14/191، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1775.
[28461]:تفسير المشكل من غريب القرآن 185، وغريب ابن قتيبة 184، من غير قوله: وأصل. وفي مجاز القرآن 1/255:"ومجازه قذر".
[28462]:في الأصل: كسرت النون وأسكنت النون وأسكنت الجيم، وهو سهو ناسخ.
[28463]:أورده الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 2/441، مختصرا، انظر: البحر المحيط 5/29. وفي معاني القرآن للفراء 1/430: "لا تكاد العرب تقول: نِجس إلا وقبلها رِجس فإذا أفردوها قالوا: نجس لا غير" وهو لا يُثنى ولا يجمع، لأنه مصدر، كما في تفسير القرطبي 8/67.
[28464]:جامع البيان 14/191، وينظر: تفسير القرطبي 8/67.
[28465]:كما في حديث ثمامة، وقيس بن عاصم، انظر تفسير القرطبي 8/66.
[28466]:المدونة 1/41.
[28467]:في "ر": ولم يجبه، وهو تحريف.
[28468]:في "ر": واستحب.
[28469]:في تفسير القرطبي 8/66: "والمذهب كله: على إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم. وبوجوب الغسل عليه، قال أبو ثور، وأحمد. وأسقطه الشافعي، وقال: أحب إلي أن يغتسل".
[28470]:انظر: الأم 1/88، 89، باب: جماع لبس المصلي.
[28471]:المدونة 1/40.
[28472]:قال في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 311، 312: "قال جماعة: هذه الآية نسخت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، صالحهم عليه من أن لا يمنع أحد من البيت والمسجد الحرام والحرم، بقوله: {بعد عامهم هذا}، يعني: بقية سنة تسع، فمنعوا من الدخول بعد سنة تسع، وكان قد صالحهم على أن يدخلوا ولا يمنعوا...وهذه الآية كالتي قبلها كان حقها ألا تذكر في الناسخ والمنسوخ، لأنها لم تنسخ قرآنا".
[28473]:في الإيضاح 311: المشركون كلهم وأهل الكتاب.
[28474]:الإيضاح 311، 312. انظر: أحكام الجصاص 3/88، والمحرر الوجيز 3/20، وزاد المسير 3/417، وتفسير القرطبي 8/67.
[28475]:الإيضاح 311، انظر: أحكام الكيا الهراسي 4/185، وأحكام الجصاص 3/88، وأحكام ابن العربي 2/913، والمحرر الوجيز 3/20، وزاد المسير 3/417، وتفسير القرطبي 8/67.
[28476]:الإيضاح 312، والمحرر الوجيز 3/20، وتفسير القرطبي 8/67.
[28477]:زيادة من "ر".
[28478]:هو تفسير قتادة، كما في جامع البيان 14/192، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1776، والدر المنثور 4/164.
[28479]:زيادة من "ر".
[28480]:في الأصل: بمعنى، وهو تحريف.
[28481]:في الأصل، بعد الآية: حتى يعطوا الجزية، وهو سهو ناسخ.
[28482]:جامع البيان 14/192، 193، باختصار انظر: تفسير ابن كثير 2/346، 347.
[28483]:هو قول عكرمة، انظره في جامع البيان 14/194، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1777، وتفسير القرطبي 8/68.
[28484]:في الأصل: البعير، وهو تحريف.
[28485]:جامع البيان 14/193، والدر المنثور 4/165، بتصرف.
[28486]:في الأصل: بمعنى، وهو تحريف.
[28487]:جامع البيان 14/197، بتصرف يسير.
[28488]:المصدر نفسه 14/198، وتمام نصه: "إياهم، وتدبير جميع خلقه".
[28489]:مجاز القرآن 1/255، وينظر: معاني القرآن للأخفش 1/356.
[28490]:زيادة من "ر".
[28491]:جامع البيان 14/193، باختصار.
[28492]:قراءة عبد الله بن مسعود 112، ومختصر في شواذ القرآن 57، والمحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات 1/287، وفيه: "هذا من المصادر التي جاءت على فاعلة، كـ:"العاقبة" و"العافية..."، والمحرر الوجيز 3/21، وفيه: وقرأ علقمة، وغيره من أصحاب ابن مسعود..."، وزاد المسير 3/417، وفيه: "قرأ سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، والشعبي، وابن السميفع..."، وتفسير القرطبي 8/68، وفيه: "وهو مصدر.... ويحتمل أن يكون نعتا لمحذوف تقديره: حالا عائلة"، والبحر المحيط 5/29.
[28493]:تفسير القرطبي 8/68.