معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

قوله تعالى : { نحن نقص عليك } ، أي : نقرأ عليك { أحسن القصص } ، والقاص هو الذي يتبع الآثار ويأتي بالخبر على وجهه . معناه : تبين لك أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية أحسن البيان . وقيل : المراد منه : قصة يوسف عليه السلام خاصة ، سماها أحسن القصص لما فيها من العبر والحكم والنكت والفوائد التي تصلح للدين والدنيا ، من سير الملوك والمماليك ، والعلماء ، ومكر النساء ، والصبر على أذى الأعداء ، وحسن التجاوز عنهم بعد الالتقاء ، وغير ذلك من الفوائد . قال خالد بن معدان : سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة . وقال ابن عطاء : لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها . قوله تعالى : { بما أوحينا إليك } ما المصدر ، أي : بإيحائنا إليك ، { هذا القرآن وإن كنت } ، وقد كنت ، { من قبله } ، أي : قبل وحينا { لمن الغافلين } ، لمن الساهين عن هذه القصة لا تعلمها . قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا فقالوا : يا رسول الله لو حدثتنا ، فأنزل الله عز وجل : { الله نزل أحسن الحديث } { الزمر-23 } فقالوا : يا رسول الله لو قصصت علينا ، فأنزل الله عز وجل : { نحن نقص عليك أحسن القصص } ، فقالوا : يا رسول الله لو ذكرتنا ؟ فأنزل الله عز وجل : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } [ الحديد-16 ] .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ْ } وذلك لصدقها وسلاسة عبارتها ورونق معانيها ، { بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ْ } أي : بما اشتمل عليه هذا القرآن الذي أوحيناه إليك ، وفضلناك به على سائر الأنبياء ، وذاك محض منَّة من الله وإحسان .

{ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ْ } أي : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان قبل أن يوحي الله إليك ، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا .

ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن من القصص ، وأنها أحسن القصص على الإطلاق ، فلا يوجد من القصص في شيء من الكتب مثل هذا القرآن ، ذكر قصه يوسف ، وأبيه وإخوته ، القصة العجيبة الحسنة فقال :

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

ولما كان جسم هذه السورة قصة فقد أبرز ذكر القصص من مادة هذا الكتاب ، على وجه التخصيص :

( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ) . .

فبإيحائنا هذا القرآن إليك قصصنا عليك هذا القصص - وهو أحسن القصص - وهو جزء من القرآن الموحى به .

( وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) . .

فقد كنت أحد الأميين في قومك ، الذين لا يتوجهون إلى هذا النحو من الموضوعات التي جاء بها القرآن ، ومنها هذا القصص الكامل الدقيق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

{ نحن نقصّ عليك أحسن القصص } أحسن الاقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب ، أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر فعل بمعنى مفعول كالنقص والسلب ، واشتقاقه من قص أثره إذا تبعه { بما أوحينا إليك } أي بإيحائنا . { هذا القرآن } يعني السورة ، ويجوز أن يجعل هذا مفعول نقص على أن أحسن نصب على المصدر . { وإن كنت من قبله لمن الغافلين } عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط ، وهو تعليل لكونه موحى وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

وقوله : { نحن نقص عليك } الآية ، روى ابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا : لو قصصت علينا يا رسول الله ، فنزلت هذه الآية ، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا : لو حدثتنا يا رسول الله ، فنزلت { الله نزل أحسن الحديث كتاباً }{[6554]} [ الزمر : 23 ] .

و { القصص } : الإخبار بما جرى من الأمور ، كأن الأنباء تتبع بالقول ، وتقتص بالأخبار كما يقتص الآخر ، وقوله : { بما أوحينا إليك } أي بوحينا . و { القرآن } نعت ل { هذا } ، ويجوز فيه البدل ، وعطف البيان فيه ضعيف . و { إن } هي المخففة من الثقيلة واللام في خبرها لام التأكيد - هذا مذهب البصريين - ومذهب أهل الكوفة أن { إن } بمعنى ما ، واللام بمعنى إلا . والضمير في { قبله } للقصص العام لما في جميع القرآن منه . و { من الغافلين } ، أي عن معرفة هذا القصص . ومن قال : إن الضمير في { قبل } عائد على { القرآن } ، جعل { من الغافلين } في معنى قوله تعالى : { ووجدك ضالاً فهدى }{[6555]} [ الضحى : 7 ] أي على طريق غير هذا الدين الذي بعثت به ، ولم يكن عليه السلام في ضلال الكفار ولا في غفلتهم لأنه لم يشرك قط ، وإنما كان مستهدياً ربه عز وجل موحداً ، والسائل عن الطريق المتخير يقع عليه في اللغة اسم ضال .


[6554]:الحديث بهذا اللفظ أخرجه ابن جرير عن عون بن عبد الله، إلا أنهم في الملة الأولى قالوا: "لو حدثتنا..."، وفي الثانية قالوا: "حدثنا فوق الحديث ودون القرآن ، يعنون القصص". (راجع تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، والدر المنثور)، وأخرج ابن جرير – ونقله ابن كثير في تفسيره – عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله، أما ما رواه ابن مسعود فقد أخرجه ابن مردويه عنه من طريق عون بن عبد الله، ولفظه (قالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا، فنزلت: {نحن نقص عليك أحسن القصص}، (راجع الدر المنثور). وقوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا} من الآية (23) من سورة (الزمر). وقد وصفت هذه السورة بأنها أحسن القصص لأسباب ذكرها العلماء: منها أن كل من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة، وانظر إلى يوسف وأبيه وإخوته وامرأة العزيز والملك والساقي مستعبر الرؤيا، ومنها انفراد السورة بما فيها من أخبار لم تتكرر في غيرها، ومنها أنها عبرت عن حسن تجاوز يوسف عن أعمال إخوته وعفوه عنهم، ومنها أنها ذكرت جملة من الفوائد التي تصلح الدنيا والدين كالتوحيد، والفقه، والسير، والسياسة، والمعاشرة، وتعبير الرؤيا، وتدبير المعاش، وقيل: إن (أحسن) هنا بمعنى أعجب.
[6555]:الآية (7) من سورة (الضحى).