فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص } القصص : تتبع الشيء ، ومنه قوله تعالى : { وَقَالَتْ لاخْتِهِ قُصّيهِ } [ القصص : 11 ] ، أي : تتبعي أثره وهو مصدر ، والتقدير : نحن نقصّ عليك قصصاً أحسن القصص ، فيكون بمعنى الاقتصاص ، أو بمعنى المفعول ، أي : المقصوص ، { بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } أي : بإيحائنا إليك { هذا القرءان } وانتصاب القرآن على أنه صفة لاسم الإشارة ، أو بدل منه ، أو عطف بيان ، وأجاز الزجاج الرفع على تقدير مبتدأ ، وأجاز الفراء الجرّ ، ولعل وجهه أن يقدّر حرف الجرّ في { بما أوحينا } داخلاً على اسم الإشارة ، فيكون المعنى : نحن نقص عليك أحسن القصص بهذا القرآن ، { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } «إن » هي المخففة من الثقيلة بدليل اللام الفارقة بينها وبين النافية ، والضمير في { من قبله } عائد على الإيحاء المفهوم من أوحينا ، والمعنى : أنك قبل إيحائنا إليك من الغافلين عن هذه القصة .

واختلف في وجه كون ما في هذه السورة هو أحسن القصص ، فقيل : لأن ما في هذه السورة من القصص يتضمن من العبر والمواعظ والحكم ما لم يكن في غيرها . وقيل : لما فيها من حسن المحاورة ، وما كان من يوسف عليه [ السلام ] من الصبر على أذاهم وعفوه عنهم ، وقيل : لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والجنّ والإنس والأنعام والطير وسير الملوك والمماليك ، والتجار ، والعلماء والجهال ، والرجال والنساء وحيلهنّ ومكرهنّ . وقيل : لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب ، وما دار بينهما ؛ وقيل : إن { أحسن } هنا بمعنى : أعجب . وقيل : إن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة .

/خ6