معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

قوله تعالى : { قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم } لرئيسكم ومعلمكم { الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل } يعني : على جذوع النخل { ولتعلمن أينا أشد عذاباً } يعني : على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به { وأبقى } يعني : أدوم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

فصارت بينة ورحمة للمؤمنين ، وحجة على المعاندين ف { قَالَ } فرعون للسحرة : { آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } أي : كيف أقدمتم على الإيمان من دون مراجعة مني ولا إذن ؟

استغرب ذلك منهم ، لأدبهم معه ، وذلهم ، وانقيادهم له في كل أمر من أمورهم ، وجعل هذا من ذاك .

ثم استلج فرعون في كفره وطغيانه بعد هذا البرهان ، واستخف عقول قومه ، وأظهر لهم أن هذه الغلبة من موسى للسحرة ، ليس لأن الذي معه الحق ، بل لأنه تمالأ هو والسحرة ، ومكروا ، ودبروا أن يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم ، فقبل قومه هذا المكر منه ، وظنوه صدقا { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } مع أن هذه المقالة التي قالها ، لا تدخل عقل من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة بالواقع ، فإن موسى أتى من مدين وحيدا ، وحين أتى لم يجتمع بأحد من السحرة ولا غيرهم ، بل بادر إلى دعوة فرعون وقومه ، وأراهم الآيات ، فأراد فرعون أن يعارض ما جاء به موسى فسعى ما أمكنه ، وأرسل في مدائنه من يجمع له كل ساحر عليم .

فجاءوا إليه ، ووعدهم الأجر والمنزلة عند الغلبة ، وهم حرصوا غاية الحرص ، وكادوا أشد الكيد ، على غلبتهم لموسى ، وكان منهم ما كان ، فهل يمكن أن يتصور مع هذا أن يكونوا دبروا هم وموسى واتفقوا على ما صدر ؟ هذا من أمحل المحال ، ثم توعد فرعون السحرة فقال : { فلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ }

كما يفعل بالمحارب الساعي بالفساد ، يقطع يده اليمنى ، ورجله اليسرى ، { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } أي : لأجل أن تشتهروا وتختزوا ، { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } يعني بزعمه هو أو الله ، وأنه أشد عذابا من الله وأبقى ، قلبا للحقائق ، وترهيبا لمن لا عقل له .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

( قال : آمنتم له قبل أن آذن لكم ? إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ، ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ) .

( آمنتم له قبل أن آذن لكم ) . . قولة الطاغية الذي لا يدرك أنهم هم أنفسهم لا يملكون - وقد لمس الإيمان قلوبهم - أن يدفعوه عنها ، والقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء .

( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) . . فذلك سر الاستسلام في نظره ، لا أنه الإيمان الذي دب في قلوبهم من حيث لا يحتسبون . ولا أنها يد الرحمن تكشف عن بصائرهم غشاوة الضلال .

ثم التهديد الغليظ بالعذاب الغليظ الذي يعتمد عليه الطغاة ؛ ويسلطونه على الجسوم والأبدان حين يعجزون عن قهر القلوب والأرواح : ( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ولأصلبنكم في جذوع النخل ) .

ثم الاستعلاء بالقوة الغاشمة . قوة الوحوش في الغابة . القوة التي تمزق الأحشاء والأوصال ، ولا تفرق بين إنسان يقرع بالحجة وحيوان يقرع بالناب : ( ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ) !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

{ قال آمنتم له } أي لموسى واللام لتضمن الفعل معنى الاتباع . وقرأ قنبل وحفص { آمنتم له } على الخبر والباقون على الاستفهام . { قبل أن آذن لكم } في الإيمان له . { إنه لكبيركم } لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به أو لأستاذكم . { الذي علمكم السحر } وأنتم تواطأتم على ما فعلتم . { فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } اليد اليمنى والرجل اليسرى ، ومن ابتدائية كأن القطع ابتدأ من مخالفة العضو العضو وهي مع المجرور بها في حيز النصب على الحال ، أي لأقطعنها مختلفات وقرئ " لأقطعن " " ولأصلبن " بالتخفيف { ولأصلبنكم في جذوع النخل } شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف وهو أول من صلب . { ولتعلمن أينا } يريد نفسه وموسى لقوله { آمنتم له } واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله أراد به توضيع موسى والهزء به ، فإنه لم يكن من التعذيب في شيء . وقيل رب موسى الذي آمنوا به { أشد عذابا وأبقى } وأدوم عقابا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وورش عن نافع «آمنتم » على الخبر ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر «ءامنتم » بهمزة بعدها مدة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «أأمنتم » بهمزتين ، وقوله { قبل أن آذن لكم } مقاربة منه وبعض إذعان . وقوله { من خلاف } يريد قطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى ، قوله { في جذوع النخل } اتساع من حيث هو مربوط في الجذع وليست على حد قولك ركبت على الفرس ، وقوله { أينا } يريد نفسه ورب موسى عليه السلام ، وقال الطبري يريد نفسه وموسى عليه السلام والأول أذهب مع مخرفة فرعون{[8134]} .


[8134]:المخرقة: الجهل والحمق.