تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

الآية71 : وقوله تعالى : { قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر } قال بعضهم : يعني موسى : وقال بعضهم : كبير السحرة الذي علم السحر . وقال في آية أخرى : { إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها } /322- ب/ الآية [ الأعراف : 123 ] قد علم فرعون أن ذلك ليس بسحر ولا مكر ، مكروا به . لكنه أراد أن يموه على قومه ، ويُلبس عليهم أمر موسى وما جاء [ به ] {[12344]} من الآيات والحجج لأنه هو الذي رباه ، ونشأ بين ظهرانيه وأهله . فعلم أنه لم يتعلم السحر من أحد ، لما فارقه ، وخرج من عندهم إلى مدين ، لم يكن هناك [ ساحر ] {[12345]} يتعلم منه السحر لكنه أراد التمويه والتلبيس على قومه . وكذلك أهل مكة حين{[12346]} نسبوا رسول الله إلى السحر والكهانة والافتراء والجنون وغيره علموا أنه ليس بساحر ولا كاهن ولا مجنون ولا مفتر لأنه نشأ بين أظهرهم صغيرا ، لم يؤخذ عليه كذب قط على أحد من الخلائق ، فكيف على الله تعالى ؟ ولا رأوه اختلف إلى أحد من السحرة والكهنة في تعلم ذلك . لكنهم أرادوا التمويه والتلبيس على الناس لئلا يتبعوه إلى ما دعاهم إليه من دين الله وتوحيده .

ثم الرسل ، صلوات الله تعالى عليهم ، لو لم يكن معهم الآيات المعجزة ولا الحجج النيرة كانت أنفسهم وما عليه طبعوا من السيرة الحسنة والأخلاق الكريمة الجميلة وما اختاروا من الأمور العظيمة الرفيعة دالة على رسالتهم ونبوتهم . فكيف وقد جاؤوا بالآيات المعجزة والبراهين المنيرة ؟ وما طبع السحرة من السيرة المذمومة و الأخلاق الدنية والأمور الخسيسة يدل على كذبهم وافتعالهم . فكيف أشكل عليهم معرفة{[12347]} السحر من الرسالة والتمويه من الحجة ؟ لكنهم أرادوا بذلك ما ذكرنا من التمويه على قومهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل } يشبه أن يكون ذلك الوعيد منه في وقتين . أوعدهم أولا بقطع اليد والرجل من خلاف على الإبقاء رجاء أن ينتهوا عما اختاروا . فإذا لم ينتهوا عنه فعند ذلك أوعدهم بالقتل والصلب ، إذ في القتل والصلب إتلاف ما دونه من الجوارح . فإن كان على هذا ففيه أن كل حد ، يراد به الإبقاء [ فإنه لا يؤتى على الجوارح كلها ، والقطع في السرقة قد يراد به الإبقاء لذلك لا يؤتى على الجوارح كلها ، وكذلك [ حد{[12348]} قطاع الطرق ؛ إذ يراد به الإبقاء ] {[12349]} لم يزد على قطع اليد والرجل من خلاف .

وقوله تعالى : { ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى } لو ذاق اللعين شيئا من عذاب ربه لم يقل مثل هذه المقالة ، ولولا ما عرف من حلم ربه ، وإلا لم يتجاسر أن يتكلم بمثل هذا ، ويوعدهم أن عذابه أشد من عذاب الله .


[12344]:ساقطة من الأصل وم.
[12345]:ساقطة من الأصل وم.
[12346]:في الأصل وم: حيث.
[12347]:في الأصل وم: معجزة.
[12348]:ساقطة من الأصل وم.
[12349]:من م، ساقطة من الأصل.