فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

قوله : { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ } يقال : آمن له وآمن به ، فمن الأوّل : قوله : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } [ العنكبوت : 26 ] ، ومن الثاني : قوله في الأعراف : { آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذن لكم } [ الأعراف : 123 ] . وقيل : إن الفعل هنا متضمن معنى الاتباع . وقرئ على الاستفهام التوبيخي ، أي كيف آمنتم به من غير إذن مني لكم بذلك ؟ { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر } أي إن موسى لكبيركم ، أي أسحركم وأعلاكم درجة في صناعة السحر ، أو معلمكم وأستاذكم كما يدلّ عليه قوله : { الذي عَلَّمَكُمُ السحر } قال الكسائي : الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال : جئت من عند كبيري . وقال محمد بن إسحاق : إنه لعظيم السحر . قال الواحدي : والكبير في اللغة : الرئيس ، ولهذا يقال للمعلم : الكبير . أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس حتى لا يؤمنوا ، وإلا فقد علم أنهم لم يتعلموا من موسى ، ولا كان رئيساً لهم ، ولا بينه وبينهم مواصلة { فَلأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ } أي : والله لأفعلنّ بكم ذلك . والتقطيع للأيدي والأرجل من خلاف هو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، و«من » للابتداء { وَلأُصَلّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل } أي على جذوعها كقوله : { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } [ الطور : 38 ] أي عليه ، ومنه قول سويد بن أبي كاهل :

هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة *** فلا عطست شيبان إلا بأجدعا

وإنما آثر كلمة «فِي » للدلالة على استقرارهم عليها كاستقرار المظروف في الظرف { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى } أراد : لتعلمنّ هل أنا أشدّ عذاباً لكم أم موسى ؟ ومعنى { أبقى } : أدوم ، وهو يريد بكلامه هذا : الاستهزاء بموسى ، لأن موسى لم يكن من التعذيب في شيء ، ويمكن أن يريد : العذاب الذي توعدهم به موسى إن لم يؤمنوا . وقيل : أراد بموسى ربّ موسى على حذف المضاف .

/خ76