فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

{ قال } فرعون { آمنتم له } يقال آمن له وبه ، فمن الأول قوله { فآمن له لوط } ، ومن الثاني قوله في الأعراف : { آمنتم به } . قيل : إن الفعل هنا متضمن معنى الإتباع ، وقرئ على الاستفهام التوبيخي أي كيف آمنتم به { قبل أن آذن لكم } أي من غير إذن مني لكم بذلك .

{ إنه } أي أن موسى { لكبيركم } أي أسحركم وأعلاكم درجة في صناعة السحر ، فلا عبرة بما أظهرتموه ، أو معلمكم أو أستاذكم ، كما يدل عليه قوله : { الذي علمكم السحر } يعني إنكم تلامذته في السحر ، فاصطلحتم وتواطأتم معه على أن تظهروا العجز من أنفسكم ترويجا لأمره وتفخيما لشأنه .

قال الكسائي : الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال : جئت من عند كبيري . وقال محمد ابن إسحاق : إنه لعظيم السحر . قال الواحدي : الكبير في اللغة الرئيس . ولهذا يقال للمعلم الكبير ، أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس حتى لا يؤمنوا ، وإلا فقد علم أنهم لم يتعلموا من موسى ولا كان رئيسا لهم ولا بينه وبينهم مواصلة .

{ فلأقطعن أيديكم وأرجلكم } أي والله لأفعلن بكم ذلك ، والتقطيع للأيدي والأرجل { من خلاف } هو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، لأن كل واحد من العضوين يخالف الأخر بأن هذا يد وذاك رجل ، وهذا يمين وذاك شمال ، أي لأقطعنها مختلفات ، ومن الابتداء الغاية ، كأن القطع ابتدئ من مخالفة العضو للعضو .

{ ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي على جذوعها ؛ كقوله : { أم لهم سلم يستمعون فيه } أي عليه ، وإنما آثر كلمة { في } للدلالة على استقرارهم عليها ؛ كاستقرار المظروف في الظرف ، وهذا هو المشهور ، وخص النخل لطول جذوعها ؛ وقيل إنه نقر جذوع النخل حتى جوفها ووضعهم فيها فماتوا جوعا وعطشا ، وهذا على الحقيقة كما أن الأول على المجاز وهو الأولى .

{ ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى } أراد لتعلمن هل أنا أشد عذابا لكم على إيمانكم به أم موسى ؟ ومعنى أبقى أدوم ، وهو يريد بكلامه هذا الاستهزاء بموسى لأن موسى لم يكن من التعذيب في شيء ، ويمكن أن يريد العذاب الذي توعدهم به موسى إن لم يؤمنوا ، وقيل إشارة إلى أن إيمانهم لم يكن ناشئا عن مشاهدة المعجزة بل كان من خوفهم من موسى حيث رأوا ما وقع من عصاه .