معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

قوله تعالى : { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر } ، فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، وذبح الموت .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمرو بن حفص بن غياث ، أنا أبي أنا الأعمش أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد : يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، ثم ينادي : يا أهل النار فيشرفون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد رآه فيذبح ، ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } . ورواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع ، عن النضر بن إسماعيل ، عن الأعمش بهذا الإسناد ، وزاد : " فلولا أن الله تعالى قضى لأهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحاً ، ولولا أن الله تعالى قضى لأهل النار الحياة والبقاء لماتوا ترحاً " .

محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا معاذ بن أسد ، أنا عبد الله ، أنا عمر بن محمد بن زيد عن أبيه أنه حدثه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار . ثم يذبح ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة لا موت ، ويا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، أنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة " .

أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي ، أنا أبو الحسن بن محمد بن موسى بن الصلت ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنا الحسين بن الحسن ، أنا ابن المبارك ، أنا يحيى بن عبيد الله قال : سمعت أبي قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يموت إلا ندم ، قالوا : فما ندمه يا رسول الله ؟ قال : إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع " قوله عز وجل : { وهم في غفلة } ، أي :عما يفعل بهم في الآخرة ، { وهم لا يؤمنون } ، لا يصدقون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

{ 39 - 40 ْ } { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ْ }

الإنذار هو : الإعلام بالمخوف على وجه الترهيب ، والإخبار بصفاته ، وأحق ما ينذر به ويخوف به العباد ، يوم الحسرة حين يقضى الأمر ، فيجمع الأولون والآخرون في موقف واحد ، ويسألون عن أعمالهم ، . فمن آمن بالله ، واتبع رسله ، سعد سعادة لا يشقى بعدها ، . ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله شقي شقاوة لا سعادة{[504]} بعدها ، وخسر نفسه وأهله ، . فحينئذ يتحسر ، ويندم ندامة تتقطع منها القلوب ، وتنصدع منها الأفئدة ، وأي : حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته ، واستحقاق سخطه والنار ، على وجه لا يتمكن من الرجوع ، ليستأنف العمل ، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا ؟ !


[504]:- في ب: لا يسعد.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

( وأنذرهم يوم الحسرة ) . . يوم تشتد الحسرات حتى لكأن اليوم محض للحسرة لا شيء فيه سواها ، فهي الغالبة على جوه ، البارزة فيه . أنذرهم هذا اليوم الذي لا تنفع فيه الحسرات : ( إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون )وكأنما ذلك اليوم موصول بعدم إيمانهم ، موصول بالغفلة التي هم فيها سادرون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

ثم قال تعالى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } أي : أنذر الخلائق يوم الحسرة ، { إِذْ قُضِيَ الأمْرُ } أي : فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودَخل كل إلى ما صار إليه مخلدًا فيه ، { وَهُمْ } أي : اليوم { فِي غَفْلَةٍ } عما أنذروا به { وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } أي : لا يُصَدقون به .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد [ الخدري ]{[18844]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ قال : " فيشرئبون [ فينظرون ]{[18845]} ويقولون : نعم هذا الموت " . قال : " فيقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت " قال : " فيؤمر به{[18846]} فيذبح " قال : " ويقال : يا أهل الجنة ، خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت " قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } وأشار بيده{[18847]} قال : " أهل الدنيا في غفلة الدنيا " .

هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، من حديث الأعمش ، به{[18848]} . ولفظهما قريب من ذلك . وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة : حدثني أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، مثله . وفي سنن ابن ماجه وغيره ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة بنحوه{[18849]} وهو في الصحيحين عن ابن عمر{[18850]} . ورواه ابن جُرَيْج قال : قال ابن عباس : فذكر من قبله نحوه{[18851]} . ورواه أيضًا عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه : يؤتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون{[18852]} وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كُهَيل ، حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - في قصة ذكرها ، قال : فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . [ فيرى أهل النار البيت الذي الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا ، كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة ]{[18853]} قال : ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن مَنَّ الله عليكم . . . {[18854]}

وقال السدي ، عن زياد ، عن زِرِّ بن حُبَيْش ، عن ابن مسعود في قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ } قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة ، هذا الموت الذي كان يُميتُ الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادى : يا أهل النار ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم ، إلا نظر إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادى : يا أهل الجنة ، هو الخلود أبد الآبدين ، ويا أهل النار ، هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتًا من فرح ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتًا من شهقة ماتوا فذلك قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ } يقول : إذا ذبح الموت . رواه ابن أبي حاتم في تفسيره .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } قال : يوم القيامة ، وقرأ : { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [ الزمر : 56 ]


[18844]:زيادة من ف.
[18845]:زيادة من ف، أ، والمسند.
[18846]:في ت: "فيؤتى بهم".
[18847]:المسند (3/9).
[18848]:صحيح البخاري برقم (4730) وصحيح مسلم برقم (2849).
[18849]:سنن ابن ماجه برقم (4327).
[18850]:صحيح البخاري برقم (6548) وصحيح مسلم برقم (2850).
[18851]:أخرجه الطبري في تفسيره (16/66).
[18852]:أخرجه الطبري في تفسيره (16/67).
[18853]:زيادة من ف، أ، والطبري.
[18854]:رواه الطبري في تفسيره (16/66).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

{ وأنذرهم يوم الحسرة } يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه . { إذ قضي الأمر } فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار ، وإذ بدل من اليوم أو ظرف ل { لحسرة } . { وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } حال متعلقة بقوله { في ضلال مبين } وما بينهما اعتراض ، أو ب { أنذرهم } أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين ، فتكون حالا متضمنة للتعليل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

عقّب تحذيرهم من عذاب الآخرة والنداء على سوء ضلالهم في الدنيا بالأمر بإنذارهم استقصاء في الإعذار لهم .

والضمير عائد إلى الظالمين ، وهم المشركون من أهل مكة وغيرهم من عبدة الأصنام لقوله { وهم لا يؤمنون } وقوله { وإلينا يرجعون } [ مريم : 40 ] .

وانتصب { يوم الحسرة } على أنه مفعول خلَف عن المفعول الثاني لأنذرهم ، لأنه بمعنى أنذرهم عذاب يوم الحسرة .

والحسرة : الندامة الشديدة الداعية إلى التلهف . والمراد بيوم الحسرة يوم الحساب ، أضيف اليوم إلى الحسرة لِكثرة ما يحدث فيه من تحسر المجرمين على ما فرطوا فيه من أسباب النجاة ، فكان ذلك اليوم كأنه مما اختصت به الحسرة ، فهو يوم حسرة بالنسبة إليهم وإن كان يوم فرح بالنسبة إلى الصالحين .

واللام في الحسرة على هذا الوجه لام العهد الذهني ، ويجوز أن يكون اللام عوضاً عن المضاف إليه ، أي يوم حسرة الظالمين .

ومعنى قضى الأمر : تُمّم أمر الله بزجهم في العذاب فلا معقب له .

ويجوز أن يكون المراد بالأمر أمر الله بمجيء يوم القيامة ، أي إذ حشروا . و ( إذ ) اسم زمان ، بدل من يوم الحسرة .

وجملة وهم في غفلة حال من الأمر وهي حال سببية ، إذ التقدير : إذ قضي أمرهم .

والغفلة : الذهول عن شيء شأنُه أن يعلم .

ومعنى جملة الحال على الاحتمال الأول في معنى الأمرِ الكناية عن سرعة صدور الأمر بتعذيبهم ، أي قضي أمرهم على حين أنهم في غفلة ، أي بهت . وعلى الاحتمال الثاني تحذير من حلول يوم القيامة بهم قبل أن يؤمنوا كقوله { لا تأتيكم إلا بغتة } [ الأعراف : 187 ] ، وهذا أليق بقوله : { وهم لا يؤمنون } .

ومعنى وهم لا يؤمنون استمرار عدم إيمانهم إلى حلول قضاء الأمر يوم الحسرة . فاختيار صيغة المضارع فيه دون صيغة اسم الفاعل لما يدلّ عليه المضارع من استمرار الفعل وقتاً فوقتاً استحضاراً لذلك الاستمرار العجيب في طوله وتمكنه .