لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

قوله تعالى { وأنذرهم يوم الحسرة } يعني خوف يا محمد كفار مكة يوم الحسرة ، سمي بذلك لأن المسيء يتحسر هلا أحسن العمل والمحسن هلا زاد في الإحسان ، يدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من أحد يموت إلا ندم قالوا ما ندمه يا رسول الله قال : إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع » أخرجه الترمذي . قوله أن لا يكون نزع النزع عن الشيء : الكف عنه ، وقال أكثر المفسرين يعني بيوم الحسرة حين يذبح الموت . ( ق ) عن أبي سعيد الخدري قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم « يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ، ثم ينادي مناد آخر يا أهل النار فيشرفون وينظرون ، فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقول يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت » ثمر قرأ { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } وأشار بيده إلى الدنيا وزاد الترمذي فيه « فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار » قوله كهيئة كبش أملح والأملح : المختلط بالبياض والسواد ، قوله فيشرفون يقال إلى الشيء إذا تطلع ينظر إليه ومالت نحوه نفسه . قوله فيذبح بين الجنة والنار اعلم أن الموت عرض ليس بجسم في صورة كبش أو غيره فعلى هذا يتأول الحديث ، على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم وهو حيوان فيذبح فيموت فلا يبقى يرجى له حياة ولا وجود ، وكذلك حال أهل الجنة والنار بعد الاستقرار فيهما لا زوال لهما ولا انتقال ( ق ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم » عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يدخل الجنة أحد إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ولا يدخل النار أحد إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة » أخرجه البخاري .

وقوله تعالى { إذا قضي الأمر } أي فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وذبح الموت { وهم في غفلة } أي عما يراد بهم في الآخرة { وهم لا يؤمنون } أي لا يصدقون .