معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

{ أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات } يصف أجنحتها في الهواء ، { ويقبضن } أجنحتهن بعد البسط ، { ما يمسكهن } في حال القبض والبسط أن يسقطن ، { إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير . }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

{ 19 } { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }

وهذا عتاب وحث على النظر إلى حالة الطير التي سخرها الله ، وسخر لها الجو والهواء ، تصف فيه أجنحتها للطيران ، وتقبضها للوقوع ، فتظل سابحة في الجو ، مترددة فيه بحسب إرادتها وحاجتها .

{ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ } فإنه الذي سخر لهن الجو ، وجعل أجسادهن وخلقتهن{[1180]}  في حالة مستعدة للطيران ، فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها ، دلته على قدرة الباري ، وعنايته الربانية ، وأنه الواحد الأحد ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } فهو المدبر لعباده بما يليق بهم ، وتقتضيه حكمته .


[1180]:- في ب: وجعل أجسادها وخلقتها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

بعدئذ ينتقل بهم من لمسة التهديد والنذير ، إلى لمسة التأمل والتفكير . في مشهد يرونه كثيرا ، ولا يتدبرونه إلا قليلا . وهو مظهر من مظاهر القدرة ، وأثر من آثار التدبير الإلهي اللطيف .

( أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ? ما يمسكهن إلا الرحمن ، إنه بكل شيء بصير ) . .

وهذه الخارقة التي تقع في كل لحظة ، تنسينا بوقوعها المتكرر ، ما تشي به من القدرة والعظمة . ولكن تأمل هذا الطير ، وهو يصف جناحيه ويفردهما ، ثم يقبضهما ويضمهما ، وهو في الحالين : حالة الصف الغالبة ، وحالة القبض العارضة يظل في الهواء ، يسبح فيه سباحة في يسر وسهولة ؛ ويأتي بحركات يخيل إلى الناظر أحيانا أنها حركات استعراضية لجمال التحليق والانقضاض والارتفاع !

تأمل هذا المشهد ، ومتابعة كل نوع من الطير في حركاته الخاصة بنوعه ، لا يمله النظر ، ولا يمله القلب . وهو متعة فوق ما هو مثار تفكير وتدبر في صنع الله البديع ، الذي يتعانق فيه الكمال والجمال !

والقرآن يشير بالنظر إلى هذا المشهد المثير :

( أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ? ) . .

ثم يوحي بما وراءه من التدبير والتقدير :

( ما يمسكهن إلا الرحمن ) . .

والرحمن يمسكهن بنواميس الوجود المتناسقة ذلك التناسق العجيب ، الملحوظ فيه كل صغيرة وكبيرة ، المحسوب فيه حساب الخلية والذرة . . النواميس التي تكفل توافر آلاف الموافقات في الأرض والجو وخلقة الطير ، لتتم هذه الخارقة وتتكرر ، وتظل تتكرر بانتظام .

والرحمن يمسكهن بقدرته القادرة التي لا تكل ، وعنايته الحاضرة التي لا تغيب . وهي التي تحفظ هذه النواميس أبدا في عمل وفي تناسق وفي انتظام . فلا تفتر ولا تختل ولا تضطرب غمضة عين إلى ما شاء الله : ( ما يمسكهن إلا الرحمن ) . . بهذا التعبير المباشر الذي يشي بيد الرحمن تمسك بكل طائر وبكل جناح ، والطائر صاف جناحيه وحين يقبض ، وهو معلق في الفضاء !

( إنه بكل شيء بصير ) . .

يبصره ويراه . ويبصر أمره ويخبره . ومن ثم يهيئ وينسق ، ويعطي القدرة ، ويرعى كل شيء في كل لحظة رعاية الخبير البصير .

وإمساك الطير في الجو كإمساك الدواب على الأرض الطائرة بما عليها في الفضاء . كإمساك سائر الأجرام التي لا يمسكها في مكانها إلا الله . ولكن القرآن يأخذ بأبصار القوم وقلوبهم إلى كل مشهد يملكون رؤيته وإدراكه ؛ ويلمس قلوبهم بإيحاءاته وإيقاعاته . وإلا فصنعة الله كلها إعجاز وكلها إبداع ، وكلها إيحاء وكلها إيقاع . وكل قلب وكل جيل يدرك منها ما يطيقه ، ويلحظ منها ما يراه . حسب توفيق الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } أي : تارة يصففن أجنحتهن في الهواء ، وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا { مَا يُمْسِكُهُنَّ } أي : في الجو { إِلا الرَّحْمَنُ } أي : بما سخر لهن من الهواء ، من رحمته ولطفه ، { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } أي : بما يصلح كل شيء من مخلوقاته . وهذه كقوله : { أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 79 ] .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها ، ويقبضن : ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ، وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحريك ، ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارئ عليه ، ما يمسكهن في الجو على خلاف الطبع إلا الرحمن ، الشامل رحمته كل شيء ، بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء ، إنه بكل شيء بصير ، يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب .