غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

1

ثم برهن على الوحدانية وكمال القدرة بوجوه : الأول { أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات } أي باسطات أجنحتهن ، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفاً . قال أهل المعاني : وإنما قيل { ويقبضن } دون " قابضات " على نحو " صافات " ، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء ، والأصل في كل منهما مد الأطراف وبسطها ، والقبض طارئ على البسط لأجل الإعانة ، فالمعنى أنهن صافات ، ويكون منهن القبض في بعض الأوقات ، كما يكون من السابح . وإنما قال في " النحل " { ما يمسكهن إلا الله } [ الآية :79 ] وفي هذه السورة { ما يمسكهن إلا الرحمن } لأن التسخير في جو السماء محض الآلهية ، وأما صافات وقابضات فكان إلهامها كيفية البسط والقبض ، على الوجه المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن . { إنه بكل شيء بصير } فيعلم أو يرى كيف يدبر العجائب . قالوا : وفي الآية دليل على أن الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله تعالى ، لأن استمساك الطير في الهواء ، فعل اختياري لها ، وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه ، ثم إن الكفار كانوا يمتنعون من الإيمان ، ولا يلتفتون إلى دعوة الرسول ، وكان تعويلهم على أمرين : أحدهما القوة من جهة الإخوان والأعوان . والثاني الاستظهار بالأصنام والأوثان ، وكانوا يقولون إنها توصل إلينا جميع الخيرات ، وتدفع عنا كل الآفات .

/خ30