فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

{ أو لم يروا } الهمزة الاستفهام ، والواو للعطف على مقدّر ، أي أغفلوا ولم ينظروا ولم يروا ، وأجمع القراء على قراءته بياء الغيبة ، لأن السياق للرد على المكذبين ، بخلاف ما في النحل ، ففيه الغيبة والخطاب . { إلى الطير } جمع طائر ، ويقع على الواحد والجمع ، وقال ابن الانباري : الطير جماعة وتأنيثها أكثر من تذكيرها ، ولا يقال للواحد طير ، بل طائر ، وقلما يقال للأنثى طائرة . { فوقهم } في الهواء { صافات } حال ، أي صافة لأجنحتها في الهواء والجو ، وتبسطها عند طيرانها .

{ ويقبضن } أي يضممن أجنحتهن إلى جنوبهن ، إذا ضربن بها حينا فحينا للاستظهار والاستعانة على التحرك والطيران . قال النحاس : يقال للطائر إذا بسط جناحه صاف ، وإذا ضمها قابض ، كأنه يقبضها ، وهذا معنى الطيران ، وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط ، وإنما قال ويقبضن ولم يقل قابضات ، كما قال صافات ، لأن القبض يتجدد تارة فتارة ، وأما البسط فهو الأصل ، كذا قيل . وقيل : المعنى قبضهن لأجنحتهن عند الوقوف من الطيران ، لا قبضها في حال الطيران .

{ ما يمسكهن إلا الرحمن } حالية أو مستأنفة لبيان كمال قدرة الله سبحانه ، والثاني أظهر ، والمعنى أنه ما يمسكهن في الهواء عن الوقوع عند الطيران إلا الرحمن ، القادر على كل شيء ، وإلا فالثقيل يتسفل طبعا ولا يعلو ، وكذا لو أمسك حفظه وتدبيره عن العالم لتهافتت الفلاك . { إنه بكل شيء بصير } لا يخفى عليه شيء كائنا ما كان ، يعلم كيف يخلق الغرائب ، وكيف يدبر العجائب ، فبصير ، بمعنى العالم بالأشياء الدقيقة الغريبة .