قوله تعالى : { فقال إني أحببت حب الخير } أي : آثرت حب الخير ، وأراد بالخير الخيل ، والعرب تعاقب بين الراء واللام ، فتقول : ختلت الرجل وخترته ، أي : خدعته ، وسميت الخيل خيراً لأنه معقود بنواصيها الخير ، الأجر والمغنم ، قال مقاتل : يعني المال ، فهي الخيل التي عرضت عليه . { عن ذكر ربي } يعني : عن الصلاة وهي صلاة العصر . { حتى توارت بالحجاب } : أي : توارث الشمس بالحجاب : استترت بما يحجبها عن الأبصار ، يقال : الحاجب جبل دون قاف ، بمسيرة سنة ، والشمس تغرب من ورائه .
والإشارتان الواردتان هنا عن الصافنات الجياد وهي الخيل الكريمة . وعن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان . . كلتاهما إشارتان لم تسترح نفسي لأي تفسير أو رواية مما احتوته التفاسير والروايات عنهما . فهي إما إسرائيليات منكرة ، وإما تأويلات لا سند لها . ولم أستطع أن أتصور طبيعة الحادثين تصوراً يطمئن إليه قلبي ، فأصوره هنا وأحكيه . ولم أجد أثراً صحيحاً أركن إليه في تفسيرهما وتصويرهما سوى حديث صحيح . صحيح في ذاته ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة . هذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعاً . ونصه : قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة . كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . والذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون . . وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا ، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق . ولكن هذا مجرد احتمال . . أما قصة الخيل فقيل : إن سليمان - عليه السلام - استعرض خيلاً له بالعشي . ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب . فقال ردوها عليّ . فردوها عليه فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربه . ورواية أخرى أنه إنما جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراماً لها لأنها كانت خيلاً في سبيل الله . . وكلتا الروايتين لا دليل عليها . ويصعب الجزم بشيء عنها .
ومن ثم لا يستطيع متثبت أن يقول شيئاً عن تفصيل هذين الحادثين المشار إليهما في القرآن .
وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان - عليه السلام - في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان كما يبتلي الله انبياءه ليوجههم ويرشدهم ، ويبعد خطاهم عن الزلل . وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع ، وطلب المغفرة ؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء :
وقوله : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) : وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره : فَلهِيَ عن الصلاة حتى فاتته ، فقال : إني أحببت حبّ الخير . ويعني بقوله : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) : أي أحببت حبا للخير ، ثم أضيف الحبّ إلى الخير ، وعنى بالخير في هذا الموضع الخيل والعرب فيما بلغني تسمي الخيل الخير ، والمال أيضا يسمونه الخير . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) : أي المال والخيل ، أو الخير من المال .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السُدّيّ قالَ : ( إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) قال : الخيل .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( نّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) قال : المال .
وقوله : ( عَنْ ذِكْرِ رَبّي ) يقول : إني أحببت حبّ الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته . وقيل : إن ذلك كان صلاة العصر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( عَنْ ذِكْر رَبّي ) عن صلاة العصر .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( عَنْ ذِكْرِ رَبّي ) قال : صلاة العصر .
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، قال : حدثنا أبو صخر ، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصّهباء البكري يقول : سألت عليّ ابن أبي طالب ، عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي العصر ، وهي التي فتن بها سليمان بن داود .
وقوله : ( حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) يقول : حتى توارت الشمس بالحجاب ، يعني : تغيبت في مغيبها ، كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا ميكائيل ، عن داود بن أبي هند ، قال : قال ابن مسعود ، في قوله : ( إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) قال : توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء ، فخُضرة السماء منها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( حتى تَوَارَتْ بالحجابِ ) : حتى دَلَكَتْ براح . قال قتادة : فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه ، ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( حتى تَوَارَتْ بالحجابِ ) : حتى غابت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.