البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

والخير في قوله { حب الخير } : أي هذا القول يراد به الخيل .

والعرب تسمي الخيل الخير ، قاله قتادة والسدي : وقال الضحاك ، وابن جبير : الخير هنا المال ، وانتصب حب الخير ، قيل : على المفعول به لتضمن أحببت معنى آثرت ، قاله الفرّاء .

وقيل : منصوب على المصدر التشبيهي ، أي أحببت الخيل كحب الخير ، أي حباً مثل حب الخير .

وقيل : عدى بعن فضمن معنى فعل يتعدى بها ، أي أنبت حب الخير عن ذكر ربي ، أو جعلت حب الخير مغنياً عن ذكر ربي .

وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان أن أحببت بمعنى : لزمت ، من قوله :

مثل بعير السوء إذ أحبا . . .

وقالت فرقة : { أحببت } : سقطت إلى الأرض ، مأخوذ من أحب البعير إذا أعيى وسقط .

قال بعضهم : حب البعير : برك ، وفلان : طأطأ رأسه .

وقال أبو زيد : بعير محب ، وقد أحب إحباباً ، إذا أصابه مرض أو كسر ، فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت .

قال ثعلب : يقال للبعير الحسير محب ، فالمعنى : قعدت عن ذكر ربي .

وحب الخير على هذا مفعول من أجله ، والظاهر أن الضمير في { توارت } عائد على { الصافنات } ، أي دخلت اصطبلاتها ، فهي الحجاب .

وقيل : حتى توارت في المسابقة بما يحجبها عن النظر .

وقيل : الضمير للشمس ، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العشي عليها .

وقالت طائفة : عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة ، فأشار إليهم أني في صلاتي ، فأزالوها عنه حتى دخلت في الاصطبلات ؛ فقال هو لما فرغ من صلاته : { إني أحببت حب الخير } ، أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي ، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها ، ردوها عليّ فطفق يمسح أعرافها وسوقها محبة لها .

وقال ابن عباس والزهري : مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيدية تكريماً لها ومحبة ، ورجحه الطبري .

وقيل : بل غسلاً بالماء .

وقال الثعلبي : إن هذا المسح كان في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله . انتهى .

وهذا القول هو الذي يناسب مناصب الأنبياء ، لا القول المنسوب للجمهور ، فإن في قصته ما لا يليق ذكره بالنسبة للأنبياء .

و { حتى توارت } : غاية ، فالفعل يكون قبلها متطاولاً حتى تصح الغاية ، فأحببت : معناه أردت المحبة .