فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

{ فَقَالَ } اعترافا بما صدر منه وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الأمر بردها وعقرها والتعقيب باعتبار آخر العرض الممتد دون ابتدائه { إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي } انتصاب حب على أنه مفعول أحببت بعد تضمينه معنى آثرت ، قال الفراء يقول آثرت حب الخير ، وكل من أحب شيئا فقد آثره وقيل انتصابه على المصدرية بحذف الزوائد ، والناصب له أحببت ، وقيل هو مصدر تشبيهي أي حبا مثل حب الخير ، والأول أولى ، والمراد بالخير هنا الخيل ، قاله الزجاج ، وقال الفراء الخير والخيل في كلام العرب واحد ، وأنها تعاقب بين الراء واللام فتقول انهملت العين وانهمرت وختلت وخترت ، قال النحاس وفي الحديث ، الخيل معقود بنواصيها الخير فكأنها سميت خيرا لهذا وقيل لما فيها من المنافع وعن بمعنى على ، أي آثرت حب الخيل على ذكر ربي يعني صلاة العصر ، وبه قال علي ، وقال ابن عباس الخير المال ، وقيل أحببت يعني لزمت ، وقيل بمعنى قعدت من أحب البعير إذا سقط وبرك من الإعياء ، وقيل بمعنى أردت .

{ حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } يعني الشمس ولم يتقدم لها ذكر ولكن المقام يدل على ذلك ، قال الزجاج إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر ، وقد جرى هنا الدليل . وهو قوله بالعشي ، والتواري الاستتار عن الأبصار والحجاب ما يحجبها عن الأبصار ، قال قتادة وكعب الحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق وهو جبل قاف ، وسمي الله حجابا لأنه يستر ما فيه ويقال إن الحجاب جبل دون قاف بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه وفيه بعد وبرودة ، وعن ابن مسعود قال توارت من وراء ياقوته خضراء فخضرة السماء منها ، وعن ابن عباس قال كان سليمان لا يكلم إعظاما له فلقد فاتته صلاة العصر وما استطاع أحد أن يكلمه ، وقيل الضمير للخيل أي حتى توارت في المسابقة عن الأعين ، والأولى أولى .