التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

{ فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي } معنى هذا يختلف على حسب الاختلاف في القصة ، فأما الذين قالوا إن سليمان عقر الخيل لما اشتغل بها حتى فاتته الصلاة فاختلفوا في هذا على ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الخير هنا يراد به الخيل ، وزعموا أن الخيل يقال لها خير ، وأحببت بمعنى آثرت أو بمعنى فعل يتعدى بعن كأنه قال : آثرت حب الخيل فشغلني عن ذكر ربي . والآخر : أن الخير هنا يراد به المال لأن الخيل وغيرها مال فهو كقوله تعالى : { إن ترك خيرا } [ البقرة : 180 ] أي : مالا .

والثالث : أن المفعول محذوف ، وحب الخير مصدر والتقدير أحببت هذه الخيل مثل حب الخير فشغلني عن ذكر ربي وأما الذين قالوا : كان يصلي فعرضت عليه الخيل فأشار بإزالتها فالمعنى أنه قال : { إني أحببت حب الخير } الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي ، وشغلني ذلك عن النظر إلى الخيل .

{ حتى توارت بالحجاب } الضمير للشمس وإن لم يتقدم ذكرها ، ولكنها تفهم من سياق الكلام وذكر العشي يقتضيها ، والمعنى حتى غابت الشمس ، وقيل : إن الضمير للخيل ، ومعنى توارت بالحجاب دخلت اصطبلاتها والأول أشهر وأظهر .