فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

{ فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِى } انتصاب { حب الخير } على أنه مفعول أحببت بعد تضمينه معنى : آثرت . قال الفراء : يقول : آثرت حب الخير ، وكل من أحب شيئاً فقد آثره . وقيل : انتصابه على المصدرية بحذف الزوائد ، والناصب له أحببت ، وقيل : هو مصدر تشبيهي ، أي : حباً مثل حب الخير ، والأول أولى . والمراد بالخير هنا الخيل . قال الزجاج : الخير هنا الخيل . وقال الفراء : الخير ، والخيل في كلام العرب واحد . قال النحاس : وفي الحديث : «الخيل معقود بنواصيها الخير » ، فكأنها سميت خيراً لهذا . وقيل : إنها سميت خيراً لما فيها من المنافع . " وعن " في { عَن ذِكْرِ رَبِى } بمعنى : على . والمعنى : آثرت حبّ الخيل على ذكر ربي ، يعني : صلاة العصر { حتى تَوَارَتْ بالحجاب } يعني : الشمس ، ولم يتقدّم لها ذكر ، ولكن المقام يدلّ على ذلك . قال الزجاج : إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء ، أو دليل الذكر ، وقد جرى هنا الدليل ، وهو قوله : بالعشيّ . والتواري : الاستتار عن الأبصار ، والحجاب : ما يحجبها عن الأبصار . قال قتاد وكعب : الحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق ، وهو جبل قاف ، وسمي الليل حجاباً ؛ لأنه يستر ما فيه ، وقيل : الضمير في قوله : { حتى تَوَارَتْ } للخيل ، أي : حتى توارت في المسابقة عن الأعين ، والأوّل أولى .

/خ33