الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

قوله تعالى ذكره : { فقال إني أحببت حب الخير } – إلى قوله – { لزلفى وحسن مئاب }[ 31-40 ] .

قال ابن عباس : كان مما ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس لا يعلم في الأرض مثلها . وكانت أحب إليه من كل ما ورث ، وكان معجبا بها ، فجلس مجلسه وقال : اعرضوا علي خيلي ، فعرضت عليه بعد الظهر إلى غيبوبة الشمس وأغفل صلاة العصر : فقال : ما صليت العصر ! ردوها{[58265]} علي فطفق يعرقبها{[58266]} ويضرب رقابها وكان الذي عرض عليه تسع مائة ، وبقيت لم تعرض عليه . فقال : هذه المائة التي لم تلهني عن صلاتي أحب إلي من التسع مائة{[58267]} .

في الآية حذف دل{[58268]} عليه الكلام ، والتقدير : إنه أواب إذ عُرض / عليه بالعشي الصافنات الجياد ، فلهى عن الصلاة حتى فاتته فغابت الشمس ولم يصل ، وهو قوله { حتى توارت بالحجاب } .

{ فقال إني أحببت حب الخير } أي : الخيل . والعرب سمي الخيل : الخير ، والمال أيضا يسمونه الخير{[58269]} .

وفي الحديث : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " {[58270]} ولما ورد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " أنت زيد الخير{[58271]} وهو زيد بن مهلهل الشاعر{[58272]} .

وقيل : المعنى ، إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ، وذلك أنه كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غُنمت ، فأشار بيده أنه يصلي .

{ حتى توارت بالحجاب } أي : توارت الخيل ، فسترها جدر{[58273]} الإصطبلات ، فلما فرغ من صلاته قال : { ردوها علي فطفق مسحا بالسوق }{[58274]} أي : يمسحها مسحا . فالضمير في ( تورات ) على هذا القول للخيل .

وأكثرالناس على أنه للشمس وإن ( لم يجر ){[58275]} لها ذكر ، ولكن لما قال بالعشي دل على أن بعده غياب الشمس{[58276]} .

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي{[58277]} فاتته هي صلاة العصر وهو قول قتادة والسدي{[58278]} .

وقيل : المعنى : إني آثرت حب الخير عن ذكر ربي ، أي : على ذكر ربي ، ومنه قوله : { فاستحبوا العمى على الهدى }{[58279]} ، أي : آثروا الضبة على الهدى .

وقيل : معنى أحببت : قعدت وتأخرت .

يقال أحب الجمل وأحببت الناقة ، إذا بركت وتأخرت .

فالمعنى : إني قعدت عن ذكر ربي لحب الخير { حتى توارت بالحجاب } .

إني قعدت عن صلاة العصر حتى غابت الشمس .

فيكون حب الخير مفعولا به على قول{[58280]} من جعل أحببت بمعنى آثرت . ويكون مفعولا من أجله على قول من جعل أحببت بمعنى تأخرت وقعدت . ولا يحسن أن ينصب{[58281]} على المصدر لأن المعنى على غير ذلك .


[58265]:ح: داود صلى الله عليه وسلم.
[58266]:ح: فردوها.
[58267]:ح: ويضربوا فكان.
[58268]:ورد في الكشف والبيان 231 عن الكلبي مختصرا.
[58269]:والعرب تعاقب بين الراء واللام فتقول: انهملت عينه وانهمرت، وخَتَلْتَه وخَتَرْتَه إذا خَدَعَتَهُ. انظر: الكشف والبيان 232.
[58270]:أخرجه البخاري في كتاب الجهاد الباب 43 م 2850 والباب 44 ح 1852 وكتاب فرض الخمس الباب 8 ح 3119 والباء 43 و44، وأخرجه مسلم: كتاب الإمارة ص 16، وغيرهما.
[58271]:أخرج الحديث ابن حجر في الإصابة وذكر أنه أخرجه ابن عدي وضعفه انظر: الإصابة 3/35 ت 2935 طبعة دار الكتب العلمية.
[58272]:هو زيد بن مهلهل بن منهب من طيء، أبو مكنف: من أبطال الجاهلية. لُقّبَ زيد الخيل لكثرة خيله. أدرك الإسلام، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة 9 هـ فأسلم وسماه: زيد الخير. توفي سنة 9 هـ. انظر: الإصابة 1/572 ت 2941، والأغاني 17/244، وخزانة الأدب 5/379.
[58273]:ح: جبل.
[58274]:ساقط من ح.
[58275]:ح: لم يجد.
[58276]:انظر: معاني الزجاج 4/331، وجامع القرطبي 15/196.
[58277]:ع: الذي.
[58278]:انظر: جامع البيان 23/99، الكشف والبيان 232.
[58279]:فصلت آية 16.
[58280]:في طرة ع.
[58281]:ح: ينتصب.