اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

قوله : { حُبَّ الخير } فيه أوجه :

أحدها : هو مفعول أحببت لأنه بمعنى آثرت ، و «عن » على هذا بمعنى «عَلَى » أي على ذكر ربِّي ، لأنه روي أن عرض الخيل حتى شغلته عن صلاة العصر أول الوقت حتى غَربت الشَّمْسُ .

وقال أبو حيان- وكأنه منقول عن الفراء- إنّه ضمن «أَحْبَبْتُ » معنى آثرتُ ، حيث نصب «حب الخير » مفعولاً ( به ) . وفيه نظر ؛ لأنه متعد بنفسه وإنما يحتاج إلى التضمين إن لم يكن مُتَعَدِّياً .

الثاني : أن «حب » مصدر على حذف الزوائدة والناصب له «أَحْبَبْتُ » .

الثالث : أنه مصدر تشبيهي أي حُبًّا مِثْلَ حُبِّ الخَيْر .

الرابع : أنه قيل : ضمن معنى أنبت فلذلك تعدى بعَنْ .

الخامس : أن أحببت بمعنى لَزمْتُ .

قال ابن الخطيب : إن الإنسان قد يحب شيئاً ولكنه يجب أن لا يحبه كالمريض الذي يشتهي في مرضه فأما من أحب شيئاً وأحب أن يحبه فذلك غاية المحبة ، فقوله : { أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير } أي أحببت حبي للخير .

السادس : أن أحببت من أَحَبَّ البعيرُ إذا سقط وَبَرَكَ من الإعياء ، والمعنى قعدت عن ذكر ربي فيكون «حب الخير » على هذا مفعولاً من أجله ، والمراد بقوله : { عَن ذِكْرِ رَبِّي } ، قيل : عن صلاة العصر ، وقيل : عن كتاب ربي وهو التوراة ، لأن ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوحٌ فكذلك في التوراة ممدوح وقوله { ذِكْرِ رَبِّي } يجوز أن يكون مضافاً للمفعول أي عن أن أذكر ربي ، وأن يكون مضافاً للفاعل أي عن ذكر بي ربي والمراد بالخير : الخيل والعرب تعاقب بين الراء واللام ، تقول : خَتَلْتُ الرجلَ وختَرْتُه أي خَدَعْتُه ، وسميت الخيلُ خيراً لأنه معقود بنواصيها الخَيْر الأجرُ والمَغْنم .

قوله : { حتى تَوَارَتْ } في الفاعل وجهان :

أحدهما : هو : «الصّافنات » ، والمعنى : حتى دخلت إصْطَبْلاَتِها فتوارتْ وغابت .

والثاني : أنه : «الشمس » أضمرت لدلالة السياق عليها ، وقيل : لدلالة «العَشِيِّ » عليها فإنها تشعر بها ، وقيل : يدل عليها الإشراق في قصة داودَ . وما أبْعَدَهُ .