الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

قوله : { حُبَّ الْخَيْرِ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : هو مفعولُ " أَحْبَبْت " لأنه بمعنى آثَرْتُ ، و " عَنْ " على هذا بمعنى على ، أي : على ذِكْر ربي ؛ لأنه يُرْوَى في التفسيرِ - واللَّهُ أعلم - أنه عَرَضَ الخيلَ حتى شَغَلَتْه عن صلاة العصرِ أولَ الوقتِ حتى غَرَبَتِ الشمسُ . وقال الشيخ : " وكأنه منقولٌ عن الفراء أنه ضَمَّن أَحْبَبْتُ معنى آثَرْتُ حتى نصبَ " حُبَّ الخير " مفعولاً به . وفيه نظرٌ ؛ لأنه متعدٍّ بنفسه ، وإنما يَحتاج إلى التضمين إنْ لو لم يكنْ متعدِّياً . الثاني : أنَّ " حُبَّ " مصدرٌ على حَذْفِ الزوائد . والناصبُ له " أَحببتُ " . الثالث : أنه مصدرٌ تشبيهيٌّ أي : حُباً مثلَ حُبِّ الخير . الرابع : أنه قيل : ضُمِّن معنى أَنَبْتُ ، فلذلك تَعَدَّى ب " عن " . الخامس : أنَّ " أَحْبَبْتُ " بمعنى لَزِمْتُ . السادس : أنَّ " أَحْبَبْتُ " مِنْ أحَبَّ البعيرُ إذا سَقَطَ وبَرَك من الإِعْياء . والمعنى : قَعَدْتُ عن ذِكْر ربي ، فيكون " حُبَّ الخيرِ " على هذا مفعولاً مِنْ أجله .

قوله : " حتى تَوارَتْ " في الفاعل وجهان ، أحدهما : هو " الصافنات " والمعنى : حتى دخلَتْ اصْطَبْلاتِها فتوارَتْ وغابَتْ . والثاني : أنه للشمس أُضْمِرَتْ لدلالة السِّياق عليها . وقيل : لدلالةِ العَشِيِّ عليها فإنها تشعر بها . وقيل : يدل عليها الإِشراق في قصة داود . وما أبعده .

وقوله : " ذِكْرِ ربي " يجوز أَنْ يكونَ مضافاً للمفعول أي : عن أَنْ أذكر ربي ، وأَنْ يكونَ مضافاً للفاعل أي : عَنْ أَنْ ذَكرني ربي . وضميرُ المفعولِ في " رُدُّوها " للصافناتِ . وقيل : للشمس ، وهو غريبٌ جداً .