قوله تعالى : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا } . أي : أسلموا وانقادوا لأمر الله تعالى ، كما أخبر عن إبراهيم عليه السلام : إذ قال له ربه أسلم { قال أسلمت لرب العالمين } [ البقرة : 131 ] ، وكما قال : { وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها } [ آل عمران :83 ] وأراد بهم النبيين الذين بعثوا من بعد موسى عليه السلام ليحكموا بما في التوراة ، وقد أسلموا لحكم التوراة وحكموا بها ، فإن من النبيين من لم يؤمر بحكم التوراة ، منهم عيسى عليه السلام ، قال الله سبحانه وتعالى { لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً } [ المائدة : 48 ] . وقال الحسن والسدي : أراد به محمداً ، صلى الله عليه وسلم حكم على اليهود بالرجم ، ذكر بلفظ الجمع كما قال : { إن إبراهيم كان أمةً قانتاً } [ النحل :120 ] .
قوله تعالى : { للذين هادوا } ، فيه تقديم وتأخير ، تقديره : فيها هدى ونور للذين هادو . ويقل هو على موضعه ، يحكم بها النبيون الذين أسلموا على الذين هادوا ، كما قال { وإن أسأتم فلها } أي : فعليها ، وقال : { أولئك لهم اللعنة } [ الرعد :25 ] أي : عليهم ، وقيل : فيه حذف ، كأنه قال : للذين هادوا وعلى الذين هادوا ، فحذف أحدهما اختصارً . قوله تعالى : { والربانيون والأحبار } ، يعني العلماء ، واحدها حبر ، وحبر بفتح الحاء وكسرها ، والكسر أفصح ، وهو العالم المحكم في الشيء ، قال الكسائي وأبو عبيد : هو من الحبر الذي هو بمعنى الجمال ، بفتح الحاء وكسرها ، في الحديث : يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره ، أي حسنه وهيئته ، ومنه التحبير وهو التحسين ، فسمى العالم حبراً لما عليه من جمال العلم وبهائه ، وقيل : الربانيون هاهنا من النصارى ، والأحبار من اليهود .
قوله تعالى : { بما استحفظوا من كتاب الله } أي ، استودعوا من كتاب الله .
قوله تعالى : { وكانوا عليه شهداء } ، . أنه كذلك .
قوله تعالى : { فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } ، قال قتادة و الضحاك : نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود دون من أساء من هذه الأمة ، روي عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } ، والظالمون والفاسقون كلها في الكافرين ، وقيل : هي على الناس كلهم . وقال ابن عباس وطاووس : ليس بكفر ينقل عن الملة ، بل إذا فعله به كافر ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر . قال عطاء : هو كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق ، وقال عكرمة معناه : ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به ، فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق ، وسئل عبد العزيز بن يحيى الكناني عن هذه الآيات ، فقال : إنها تقع على جميع ما أنزل الله لا على بعضه ، وكل من لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق ، فأما من حكم بما أنزل الله من التوحيد وترك الشرك ، ثم لم يحكم ببعض ما أنزل الله من الشرائع لم يستوجب حكم هذه الآيات . وقال العلماء : هذا إذا ورد نص حكم الله عياناً عمدا ، فأما من خفي عليه ، أو أخطأ في تأويل فلا .
{ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ } على موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام . { فِيهَا هُدًى } يهدي إلى الإيمان والحق ، ويعصم من الضلالة { وَنُورٌ } يستضاء به في ظلم الجهل والحيرة والشكوك ، والشبهات والشهوات ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ } { يَحْكُمُ بِهَا } بين الذين هادوا ، أي : اليهود في القضايا والفتاوى { النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } لله وانقادوا لأوامره ، الذين إسلامهم أعظم من إسلام غيرهم ، وهم صفوة الله من العباد . فإذا كان هؤلاء النبيون الكرام والسادة للأنام قد اقتدوا بها وائتموا ومشوا خلفها ، فما الذي منع هؤلاء الأراذل من اليهود من الاقتداء بها ؟ وما الذي أوجب لهم أن ينبذوا أشرف ما فيها من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي لا يقبل عمل ظاهر وباطن ، إلا بتلك العقيدة ؟ هل لهم إمام في ذلك ؟ نعم لهم أئمة دأبهم التحريف ، وإقامة رياستهم ومناصبهم بين الناس ، والتأكل بكتمان الحق ، وإظهار الباطل ، أولئك أئمة الضلال الذين يدعون إلى النار .
وقوله : { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ } أي : وكذلك يحكم بالتوراة للذين هادواأئمة الدين من الربانيين ، أي : العلماء العاملين المعلمين الذين يربون الناس بأحسن تربية ، ويسلكون معهم مسلك الأنبياء المشفقين .
والأحبار أي : العلماء الكبار الذين يقتدى بأقوالهم ، وترمق آثارهم ، ولهم لسان الصدق بين أممهم .
وذلك الحكم الصادر منهم الموافق للحق { بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } أي : بسبب أن الله استحفظهم على كتابه ، وجعلهم أمناء عليه ، وهو أمانة عندهم ، أوجب عليهم حفظه من الزيادة والنقصان والكتمان ، وتعليمه لمن لا يعلمه .
وهم شهداء عليه ، بحيث أنهم المرجوع إليهم فيه ، وفيما اشتبه على الناس منه ، فالله تعالى قد حمل أهل العلم ، ما لم يحمله الجهال ، فيجب عليهم القيام بأعباء ما حملوا .
وأن لا يقتدوا بالجهال ، بالإخلاد إلى البطالة والكسل ، وأن لا يقتصروا على مجرد العبادات القاصرة ، من أنواع الذكر ، والصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، ونحو ذلك من الأمور ، التي إذا قام بها غير أهل العلم سلموا ونجوا .
وأما أهل العلم فكما أنهم مطالبون بالقيام بما عليهم أنفسهم ، فإنهم مطالبون أن يعلموا الناس وينبهوهم على ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ، خصوصا الأمور الأصولية والتي يكثر وقوعها وأن لا يخشوا الناس بل يخشون ربهم ، ولهذا قال : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } فتكتمون الحق ، وتظهرون الباطل ، لأجل متاع الدنيا القليل ، وهذه الآفات إذا سلم منها العالم فهو من توفيقه وسعادته ، بأن يكون همه الاجتهاد في العلم والتعليم ، ويعلم أن الله قد استحفظه ما{[266]} أودعه من العلم واستشهده عليه ، وأن يكون خائفا من ربه ، ولا يمنعه خوف الناس وخشيتهم من القيام بما هو لازم له ، وأن لا يؤثر الدنيا على الدين .
كما أن علامة شقاوة العالم أن يكون مخلدا للبطالة ، غير قائم بما أمر به ، ولا مبال بما استحفظ عليه ، قد أهمله وأضاعه ، قد باع الدين بالدنيا ، قد ارتشى في أحكامه ، وأخذ المال على فتاويه ، ولم يعلم عباد الله إلا بأجرة وجعالة .
فهذا قد من الله عليه بمنة عظيمة ، كفرها ودفع حظا جسيما ، محروما منه غيره ، فنسألك اللهم علما نافعا ، وعملا متقبلا ، وأن ترزقنا العفو والعافية من كل بلاء يا كريم .
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } من الحق المبين ، وحكم بالباطل الذي يعلمه ، لغرض من أغراضه الفاسدة { فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر ، وقد يكون كفرا ينقل عن الملة ، وذلك إذا اعتقد حله وجوازه . وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب ، ومن أعمال الكفر قد استحق من فعله العذاب الشديد .
ذلك كان حكم الله على المحكومين الذين لا يقبلون حكم شريعة الله في حياتهم . . فالآن يجيء حكمه - تعالى - على الحاكمين ، الذين لا يحكمون بما أنزل الله . الحكم الذي تتوافى جميع الديانات التي جاءت من عند الله عليه :
( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور . يحكم بها النبيون الذين أسلموا ، للذين هادوا ، والربانيون والأحبار ، بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ؛ فلا تخشوا الناس واخشون ، ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا . ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص . فمن تصدق به فهو كفارة له . ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) . .
لقد جاء كل دين من عندالله ليكون منهج حياة . منهج حياة واقعية . جاء الدين ليتولى قيادة الحياة البشرية ، وتنظيمها ، وتوجيهها ، وصيانتها . ولم يجيء دين من عند الله ليكون مجرد عقيدة في الضمير ؛ ولا ليكون كذلك مجرد شعائر تعبدية تؤدي في الهيكل والمحراب . فهذه وتلك - على ضرورتهما للحياة البشرية وأهميتهما في تربية الضمير البشري - لا يكفيان وحدهما لقيادة الحياة وتنظيمها وتوجيهها وصيانتها ؛ ما لم يقم على أساسهما منهج ونظام وشريعة تطبق عمليا في حياة الناس ؛ ويؤخذ الناس بها بحكم القانون والسلطان ؛ ويؤاخذ الناس على مخالفتها ، ويؤخذون بالعقوبات .
والحياة البشرية لا تستقيم إلا إذا تلقت العقيدة والشعائر والشرائع من مصدر واحد ؛ يملك السلطان على الضمائر والسرائر ، كما يملك السلطان على الحركة والسلوك . ويجزي الناس وفق شرائعة في الحياة الدنيا ، كما يجزيهم وفق حسابة في الحياة الآخرة .
فأما حين تتوزع السلطة ، وتتعدد مصادر التلقي . . حين تكون السلطة لله في الضمائر والشعائر بينما السلطة لغيره في الانظمة والشرائع . . وحين تكون السلطة لله في جزاء الآخرة بينما السلطة لغيره في عقوبات الدنيا . . حينئذ تتمزق النفس البشرية بين سلطتين مختلفتين ، وبين اتجاهين مختلفين ، وبين منهجين مختلفين . . وحينئذ تفسد الحياة البشرية ذلك الفساد الذي تشير إليه آيات القرآن في مناسبات شتى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) . . ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) . . ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) . .
من أجل هذا جاء كل دين من عند الله ليكون منهج حياة . وسواء جاء هذا الدين لقرية من القرى ، أو لأمة من الأمم ، أو للبشرية كافة في جميع أجيالها ، فقد جاء ومعه شريعة معينة لحكم واقع الحياة ، إلى جانب العقيدة التي تنشى ء التصور الصحيح للحياة ، إلى جانب الشعائر التعبدية التي تربط القلوب بالله . . وكانت هذه الجوانب الثلاثة هي قوام دين الله . حيثما جاء دين من عند الله . لأن الحياة البشرية لا تصلح ولا تستقيم إلا حين يكون دين الله هو منهج الحياة .
وفي القرآن الكريم شواهد شتى على احتواء الديانات الأولى ، التي ربما جاءت لقرية من القرى ، أو لقبيلة من القبائل على هذا التكامل ، في الصورة المناسبة للمرحلة التي تمر بها القرية أو القبيلة . . وهنا يعرض هذا التكامل في الديانات الثلاث الكبرى . . اليهودية ، والنصرانية ، والإسلام . .
ويبدأ بالتوراة في هذه الآيات التي نحن بصددها في هذه الفقرة :
( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) :
فالتوراة - كما أنزلها الله - كتاب الله الذي جاء لهداية بني إسرائيل ، وإنارة طريقهم إلى الله . وطريقهم في الحياة . . وقد جاءت تحمل عقيدة التوحيد . وتحمل شعائر تعبدية شتى . وتحمل كذلك شريعة :
( يحكم بها النبيون الذين أسلموا ، للذين هادوا ، والربانيون والأحبار ، بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) .
أنزل الله التوراة لا لتكون هدى ونورا للضمائر والقلوب بما فيها من عقيدة وعبادات فحسب . ولكن كذلك لتكون هدى ونورا بما فيها من شريعة تحكم الحياة الواقعية وفق منهج الله ، وتحفظ هذه الحياة في إطار هذا المنهج . ويحكم بها النبيون الذين أسلموا أنفسهم لله ؛ فليس لهم في أنفسهم شيء ؛ إنما هي كلها لله ؛ وليست لهم مشيئة ولا سلطة ولا دعوى في خصيصة من خصائص الألوهية - وهذا هو الإسلام في معناه الأصيل - يحكمون بها للذين هادوا - فهي شريعتهم الخاصة نزلت لهم في حدودهم هذه وبصفتهم هذه - كما يحكم بها لهم الربانيون والأحبار ؛ وهم قضاتهم وعلماؤهم . وذلك بما أنهم قد كلفوا المحافظة على كتاب الله ، وكلفوا أن يكونوا عليه شهداء ، فيؤدوا له الشهادة في أنفسهم ، بصياغة حياتهم الخاصة وفق توجيهاته ، كما يؤدوا له الشهادة في قومهم بإقامة شريعته بينهم .
وقبل أن ينتهي السياق من الحديث عن التوراة ، يلتفت إلى الجماعة المسلمة ، ليوجهها في شأن الحكم بكتابالله عامة ، وما قد يعترض هذا الحكم من شهوات الناس وعنادهم وحربهم وكفاحهم ، وواجب كل من استحفظ على كتاب الله في مثل هذا الموقف ، وجزاء نكوله أو مخالفته :
( فلا تخشوا الناس واخشون ؛ ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا . ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) . .
ولقد علم الله - سبحانه - أن الحكم بما أنزل الله ستواجهه - في كل زمان وفي كل أمة - معارضة من بعض الناس ؛ ولن تتقبله نفوس هذا البعض بالرضى والقبول والاستسلام . . ستواجهه معارضة الكبراء والطغاة وأصحاب السلطان الموروث . ذلك أنه سينزع عنهم رداء الألوهية الذي يدعونه ؛ ويرد الألوهية لله خالصة ، حين ينزع عنهم حق الحاكمية والتشريع والحكم بما يشرعونه هم للناس مما لم يأذن به الله . . وستواجهة معارضة أصحاب المصالح المادية القائمة على الاستغلال والظلم والسحت . ذلك أن شريعة الله العادلة لن تبقي على مصالحهم الظالمة . . وستواجهه معارضة ذوي الشهوات والأهواء والمتاع الفاجر والانحلال . ذلك أن دين الله سيأخذهم بالتطهر منها وسيأخذهم بالعقوبة عليها . . وستواجهه معارضة جهات شتى غير هذه وتيك وتلك ؛ ممن لا يرضون أن يسود الخير والعدل والصلاح في الأرض .
علم الله - سبحانه - أن الحكم بما أنزل ستواجهه هذه المقاومة من شتى الجبهات ؛ وأنه لا بد للمستحفظين عليه والشهداء أن يواجهوا هذه المقاومة ؛ وأن يصمدوا لها ، وإن يحتملوا تكاليفها في النفس والمال . . فهو يناديهم :
( فلا تخشوا الناس واخشون ) . .
فلا تقف خشيتهم للناس دون تنفيذهم لشريعة الله . سواء من الناس أولئك الطغاة الذين يأبون الاستسلام لشريعة الله ، ويرفضون الإقرار - من ثم - يتفرد الله - سبحانه - بالألوهية . أو أولئك المستغلون الذين تحول شريعة الله بينهم وبين الاستغلال وقد مردوا عليه . أو تلك الجموع المضللة او المنحرفة أو المنحلة التي تستثقل أحكام شريعة الله وتشغب عليها . . لا تقف خشيتهم لهؤلاء جميعا ولغيرهم من الناس دون المضي في تحكيم شريعة الله في الحياة . فالله - وحده - هو الذي يستحق أن يخشوة . والخشية لا تكون إلا لله . .
كذلك علم الله - سبحانه - أن بعض المستحفظين على كتاب الله المستشهدين ؛ قد تراودهم أطماع الحياة الدنيا ؛ وهم يجدون أصحاب السلطان ، وأصحاب المال ، وأصحاب الشهوات ، لا يريدون حكم الله فيملقون شهوات هؤلاء جميعا ، طمعا في عرض الحياة الدنيا - كما يقع من رجال الدين المحترفين في كل زمان وفي كل قبيل ؛ وكما كان ذلك واقعا في علماء بني إسرائيل .
( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلًا ) . .
وذلك لقاء السكوت ، أو لقاء التحريف ، أو لقاء الفتاوي المدخولة !
وكل ثمن هو في حقيقته قليل . ولو كان ملك الحياة الدنيا . . فكيف وهو لا يزيد على أن يكون رواتب ووظائف وألقابا ومصالح صغيرة ؛ يباع بها الدين ، وتشترى بها جهنم عن يقين ؟ !
إنه ليس أشنع من خيانة المستأمن ؛ وليس أبشع من تفريط المستحفظ ؛ وليس أخس من تدليس المستشهد . والذين يحملون عنوان : " رجال الدين " يخونون ويفرطون ويدلسون ، فيسكتون عن العمل لتحكيم ما أنزل الله ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، لموافأة أهواء ذوي السلطان على حساب كتاب الله . .
بهذا الحسم الصارم الجازم . وبهذا التعميم الذي تحمله ( من ) الشرطية وجملة الجواب . بحيث يخرج من حدود الملابسة والزمان والمكان ، وينطلق حكما عاما ، على كل من لم يحكم بما أنزل الله ، في أي جيل ، ومن أي قبيل . .
والعلة هي التي أسلفنا . . هي أن الذي لا يحكم بما أنزل الله ، إنما يرفض ألوهية الله . فالألوهية من خصائصها ومن مقتضاها الحاكمية التشريعية . ومن يحكم بغير ما أنزل الله ، يرفض ألوهية الله وخصائصها في جانب ، ويدعي لنفسه هو حق الألوهية وخصائصها في جانب آخر . . وماذا يكون الكفر إن لم يكن هو هذا وذاك ؟ وما قيمة دعوى الإيمان أو الإسلام باللسان ، والعمل - وهو أقوى تعبيرا من الكلام - ينطق بالكفر أفصح من اللسان ؟ !
إن المماحكة في هذا الحكم الصارم الجازم العام الشامل ، لا تعني إلا محاولة التهرب من مواجهة الحقيقة . والتأويل والتأول في مثل هذا الحكم لا يعني إلا محاولة تحريف الكم عن مواضعه . . وليس لهذه المماحكة من قيمة ولا أثر في صرف حكم الله عمن ينطبق عليهم بالنص الصريح الواضح الأكيد .
{ إِنّآ أَنزَلْنَا التّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلّذِينَ هَادُواْ وَالرّبّانِيّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا التوراة فيها بيان ما سألك هؤلاء اليهود عنه من حكم الزانيين المحصنين ، ونُورٌ يقول : وفيها جلاء ما أظلم عليهم وضياء ما التبس من الحكم . يَحْكُمُ بها النّبِيّونَ الّذِينَ أَسْلَمُوا يقول : يحكم بحكم التوراة في ذلك : أي فيما احتكموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه من أمر الزانيين النبيون الذين أسلموا ، وهم الذين أذعنوا الحكم الله وأقرّوا به . وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم في حكمه على الزانيين المحصنين من اليهود بالرجم ، وفي تسويته بين دم قتلى النضير وقُريظة في القصاص والدية ، ومَنْ قبل محمد من الأنبياء يحكم بما فيها من حكم الله . كما :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِيها هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِيّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لما أنزلت هذه الاَية : «نَحْنُ نَحْكُمُ على اليَهُودِ وَعلى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أهْلِ الأدْيانِ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود بامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبيّ فإنه نبيّ بعث بتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا : فتيا نبيّ من أنبيائك قال : فأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمهم كلمة ، حتى أتى بيت المِدْراس ، فقام على الباب ، فقال : «أَنْشُدُكُمْ باللّهِ الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ على مُوسَى ما تَجِدُونَ فِي التّوْرَاةِ على مَنْ زَنى إذَا أُحْصِنَ ؟ » قالوا : يُحَمّمم ويُجَبّهُ ويجلد والتجبيه : أن يحمل الزانيان على حمار تقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما وسكت شاب ، فلما رآه سكت ألظّ به النّشْدة ، فقال : اللهمّ إذ نَشَدْتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «فَمَا أوّلُ ما ارْتُخِصَ أمْرُ اللّهِ ؟ » قال : زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ، ثم زني رجل في أسرة من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه ، وقالوا : لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه ، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم . قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «فإنّى أحْكُم بِمَا فِي التّوْرَاةِ » . فأمِر بهما فرجما . قال الزهري : فبلغنا أن هذه الاَية نزلت فيهم إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِيها هُدّى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِيّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا فكان النبيّ منهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : يَحْكُمُ بِها النّبِيّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء يحكمون بما فيها من الحقّ .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : يَحْكُمُ بِها النّبِيّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم . لِلّذِينَ هادُوا يعني اليهود ، فاحكم بينهم ولا تخشهم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَالرّبانِيّونَ وَالأحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وكانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ .
يقول تعالى ذكره : ويحكم بالتوراة وأحكامها التي أنزل الله فيها في كلّ زمان على ما أمر بالحكم به فيها مع النبيين الذين أسلموا ، الربانيون والأحبار . والربانيون : جمع ربانيّ ، وهم العلماء الحكماء ، البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم . والأحبار : هم العلماء . وقد بينا معنى الربانيين فيما مضى بشواهده ، وأقوال أهل التأويل فيه . وأما الأحبار : فإنهم جمع حبر ، وهو العالم المحكم للشيء ، ومنه قيل لكعب : كعب الأحبار . وكان الفرّاء يقول : أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار : حِبر بكسر الحاء .
وكان بعض أهل التأويل يقول : عُنى بالربانيين والأحبار في هذا الموضع : ابنا صوريا اللذان أقرّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله تعالى في التوراة على الزانيين المحصنين . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كان رجلان من اليهود أخوان يقال لهما ابنا صوريا ، وقد اتبعا النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يسلما ، وأعطياه عهدا أن لا يسألهما عن شيء في التوراة إلا أخبراه به . وكان أحدهما رِبّيّا ، والاَخر حبرا ، وإنما اتبعا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتعلمان منه . فدعاهما فسألهما ، فأخبراه الأمر كيف كان حين زنى الشريف وزنى المسكين ، وكيف غيروه . فأنزل الله : إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِيها هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِيّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا للّذِينَ هادُوا يعني : النبيّ صلى الله عليه وسلم والربانيون والأحبار : هما ابنا صوريا . لِلّذِينَ هادُوا . ثم ذكر ابنى صوريا ، فقال : وَالرّبانِيّونَ وَالأحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وكانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ .
والصواب من القول في ذلك عندي ، أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن التوراة يحكم بها مسلمو الأنبياء لليهود والربانيون من خلقه والأحبار . وقد يجوز أن يكون عُني بذلك ابنا صوريا وغيرهما ، غير أنه قد دخل في ظاهر التنزيل مسلمو الأنبياء وكلّ رباني وحبر ، ولا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه معنىّ به خاصّ من الربانيين والأحبار ، ولا قامت بذلك حجة يجب التسليم لها ، فكلّ رباني وحبر داخل في الاَية بظاهر التنزيل .
وبمثل الذي قلنا في تأويل الأحبار قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : الربانيون والأحبار : قرّاؤهم وفقهاؤهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الحسن : الربانيون والأحبار : الفقهاء والعلماء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الربانيون العلماء الفقهاء ، وهم فوق الأحبار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : الربانيون : فقهاء اليهود ، والأحبار : علماؤهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا سُنيد بن داود ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : والرّبّانِيّونَ والأَحْبَارُ كلهم يحكم بما فيها من الحقّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الربانيون : الولاة ، والأحبار : العلماء .
وأما قوله : بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ فإن معناه : يحكم النبيون الذين أسلموا بحكم التوراة ، والربانيون والإحبار يعني العلماء بما استودعوا علمه من كتاب الله الذي هو التوراة . والباء في قوله : بِما اسْتُحْفِظُوا من صلة الأحبار .
وأما قوله : وكانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فإنه يعني أن الربانيين والأحبار بما استودعوا من كتاب الله يحكمون بالتوراة مع النبيين الذين أسملوا للذين هادوا ، وكانوا على حكم النبيين الذين أسلموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا عليهم بكتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى وقضائه عليهم . كما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وكانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ يعني الربانيين والأحبار هم الشهداء لمحمد صلى الله عليه وسلم بما قال أنه حقّ جاء من عند الله ، فهو نبيّ الله محمد ، أتته اليهود فقضى بينهم بالحقّ .
القول في تأويل قوله تعالى : فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَنا قَلِيلاً .
يقول تعالى ذكره لعلماء اليهود وأحبارهم : لا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي الذي حكمت به على عبادي وإمضائه عليهم على ما أمرت ، فإنهم لا يقدرون لكم على ضرّ ولا نفع إلا بإذني ، ولا تكتموا الرجم الذي جعلته حكما في التوراة على الزانيين المحصنين ، ولكن اخشوني دون كلّ أحد من خلقي ، فإن النفع والضرّ بيدي ، وخافوا عقابي في كتمانكم ما استحفظتم من كتابي . كما :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ يقول : لا تخشوا الناس فتكتموا ما أنزلت .
وأما قوله : وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَنا قَلِيلاً يقول : ولا تأخذوا بترك الحكم بآيات كتابي الذي أنزلته على موسى أيها الأحبار عوضا خسيسا ، وذلك هو الثمن القليل . وإنما أراد تعالى ذكره نهيهم عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله وتغييرهم حكمه عما حكم به في الزّانيين المحصنين ، وغير ذلك من الأحكام التي بدّلوها ، طلبا منهم للرشا كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَنا قَلِيلاً قال : لا تأكلوا السحت على كتابي . وقال مرّة أخرى ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَنا قال : لا تأخذوا به رشوة .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَنا قَلِيلاً : ولا تأخذوا طُعْما قليلاً على أن تكتموا ما أنزلت .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ .
يقول تعالى ذكره : ومن كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه ، وجعله حكما بين عباده فأخفاه ، وحكم بغيره ، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين بالتجبيه والتحميم ، وكتمانهم الرجم ، وكقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة وفي بعض بنصف الدية ، وفي الأشراف بالقصاص وفي الأدنياء بالدية ، وقد سوّى الله بين جميعهم في الحكم عليهم في التوراة فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ يقول : هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه ، ولكن بدّلوا وغيروا حكمه وكتموا الحقّ الذي أنزله في كتابه . هُمُ الكَافِرُونَ يقول : هم الذين ستروا الحقّ الذي كان عليهم كشفه وتبيينه وغَطّوه عن الناس وأظهروا لهم غيره وقضوا به لسحت أخذوه منهم عليه .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل الكفر في هذا الموضع . فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك ، من أنه عنى به اليهود الذين حرّفوا كتاب الله وبدّلوا حكمه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن البراء بن عازب ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقونَ في الكافرين كلها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن القاسم ، قال : حدثنا أبو حيان ، عن أبي صالح ، قال : الثلاث الاَيات التي في المائدة : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ، فَأُولَئِكَ هُم الظّالِمُونَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ ليس في أهل الإسلام منها شيء ، هي في الكفار .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي حيان ، عن الضحاك : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظالمون والفاسقون قال : نزلت هؤلاء الاَيات في أهل الكتاب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عمران بن حدير ، قال : أتى أبا مجلز ناسٌ من بني عمرو بن سدوس ، فقالوا : يا أبا مجلز ، أرأيت قول الله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ أحقّ هو ؟ قال : نعم . قالوا : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ أحَقّ هو ؟ قال : نعم . قالوا : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ أحقّ هو ؟ قال : نعم . قال : فقالوا : يا أبا مجلز ، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله ؟ قال : هو دينهم الذي يدينون به ، وبه يقولون ، وإليه يُدْعَوْنَ ، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا . فقالوا : لا والله ، ولكنك تَعْرَفّ . قال : أنتم أولى بهذا مني لا أرى وإنكم ترون هذا ولا تحرّجون ، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك . أو نحوا من هذا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، قال : قعد إلى أبي مِجْلَز نفر من الإباضية ، قال : فقالوا له : يقول الله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ . قال أبو مجلز : إنهم يعملون ما يعملون يعني الأمراء ويعلمون أنه ذنب . قال : وإنما أنزلت هذه الاَية في اليهود والنصارى . قالوا : أما والله إنك لتعلم مثل ما نعلم ، ولكنك تخشاهم . قال : أنتم أحقّ بذلك منا ، أما نحن فلا نعرف ما تعرفون ولكنكم تعرفونه ، ولكن يمنعكم أن تُمضوا أمركم من خشيتهم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البَختري ، عن حذيفة في قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لكم كلّ حلوة ولهم كلّ مرّة ، ولتسلكنّ طريقهم قدر الشراك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي حيان ، عن الضحاك : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظّالمون والفَاسِقُون قال : نزلت هؤلاء الاَيات في أهل الكتاب .
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، قال : قيل لحذيفة : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ثم ذكر نحو حديث ابن بشار ، عن عبد الرحمن .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، قال : سأل رجل حذيفة ، عن هؤلاء الاَيات : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ قال : فقيل : ذلك في بني إسرائيل ؟ قال : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لهم كلّ مرّة ، ولكم كلّ حُلْوة ، كلا والله لتسلكنّ طريقهم قدر الشراك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن رجل ، عن عكرمة قال : هؤلاء الاَيات في أهل الكتاب .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ذكر لنا أن هؤلاء الاَيات أنزلت في قتيل اليهود الذي كان منهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظالمون والفاسقون ، لأهل الكتاب كلهم لمَا تركوا من كتاب الله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن البراء بن عازب ، قال : مُرّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم بيهودي محمّم مجلود ، فدعاهم فقال : «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ مَنْ زَنَى ؟ » قالوا : نعم . فدعا رجلاً من علمائهم ، فقال : «أَنْشُدكَ اللّهَ الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ على مُوسَى ، هَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزّانِي في كِتابِكُمْ ؟ » قال : لا ، ولولا أنك أنشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حدّه في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحدّ ، فقلنا تعالوا فلنجتمع جميعا على التحميم والجلد مكان الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ أنّي أوّلُ مَنْ أحْيا أمْرَكَ إذْ أماتُوهُ » . فأمر به فرجم ، فأنزل الله : يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الكُفْرِ . . . إلى قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ يعني اليهود ، فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ يعني اليهود ، فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ للكفار كلها .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : من حكم بكتابه الذي كتب بيده وترك كتاب الله وزعم أن كتابه هذا من عند الله ، فقد كفر .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن البراء بن عازب ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث القاسم ، عن الحسن . غير أن هنادا قال في حديثه : فقلنا : تعالوا فلنجتمع في شيء نقيمه على الشريف والضعيف فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم . وسائر الحديث نحو حديث القاسم .
حدثنا الربيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : كنا عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، فذكر رجل عنده : وَمَنْ لَم يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ فقال عبيد الله : أما والله إن كثيرا من الناس يتأوّلون هؤلاء الاَيات على ما لم ينزلن عليه ، وما أنزلن إلا في حيين من يهود . ثم قال : هي قريظة والنضير وذلك أن إحدى الطائفتين كانت قد غزت الأخرى وقهرتها قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة ، حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكلّ قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مئة وسق . فأعطوهم فَرَقا وضَيمْا . فقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك ، فذلت الطائفتان بمقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم لم يظهر عليهما . فبينما هما على ذلك أصابت الذليلة من العزيزة قتيلاً ، فقالت العزيزة : أعطونا مائة وسق فقالت الذليلة : وهل كان هذا قطّ في حيين دينهما واحد وبلدهما واحد دية بعضهم ضعف دية بعض ؟ إنما أعطيناكم هذا فرقا منكم وضَيْما ، فاجعلوا بيننا وبينكم محمدا صلى الله عليه وسلم فتراضيا على أن يجعلوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهم . ثم إن العزيزة تذاكرت بينها ، فخشيت أن لا يعطيها النبيّ صلى الله عليه وسلم من أصحابها ضعف ما تعطي أصحابها منها ، فدسوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إخوانهم من المنافقين ، فقالوا لهم : اخبُروا لنا رأى محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أعطانا ما نريد حكمناه ، وإن لم يعطنا حذرناه ولم نحكمه فذهب المنافق إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأعلم الله تعالى ذكره النبيّ صلى الله عليه وسلم ما أرادوا من ذلك الأمر كله . قال عبيد الله : فأنزل الله تعالى ذكره فيهم : يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الكُفْرِ هؤلاء الاَيات كلهن ، حتى بلغ : وَلْيَحْكُمْ أهْلخ الإنْجِيلِ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فِيهِ . . . إلى الفاسِقُونَ قرأ عبيد الله ذلك آية آية وفسرها على ما أنزل ، حتى فرغ من تفسير ذلك لهم في الاَيات ، ثم قال : إنما عنى بذلك يهود ، وفيهم أنزلت هذه الصفة .
وقال بعضهم : عنى بالكافرين أهل الإسلام ، وبالظالمين : اليهود ، وبالفاسقين : النصارى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن زكريا ، عن عامر ، قال : نزلت «الكافرون » في المسلمين ، و«الظالمون » في اليهود ، و«الفاسقون » في النصارى .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبيّ ، قال : «الكافرون » في المسلمين ، و«الظالمون » في اليهود ، و«الفاسقون » في النصارى .
حدثنا ابن وكيع وأبو السائب ، وواصل بن عبد الأعلى ، قالوا : حدثنا ابن فضيل ، عن ابن شبرمة ، عن الشعبيّ ، قال : آية فينا ، وآيتان في أهل الكتاب : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ فينا وفيهم : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ و«الفاسقون » في أهل الكتاب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر ، مثل حديث زكريا عنه .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا شعبة ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : هذا في المسلمين . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ قال : النصارى .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبيّ ، قال في هؤلاء الاَيات التي في المائدة : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : فينا أهل الإسلام . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ قال : في اليهود . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولُئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ قال : في النصارى .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي في قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : نزلت الأولى في المسلمين ، والثاني في اليهود ، والثالثة في النصارى .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن زكريا ، عن الشعبيّ ، بنحوه .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا يعلى ، عن زكريا ، عن عامر ، بنحوه .
وقال آخرون : بل عُنى بذلك : كفردون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ قال : كفر دون كفر ، وفسق دون فسق ، وظلم دون ظلم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عطاء ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب بن أبي تميمة ، عن عطاء بن أبي رباح بنحوه .
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، بنحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، بنحوه .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن سعيد المكيّ ، عن طاوس : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن معمر بن راشد ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُون قال : هي به كفر ، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله .
حدثني الحسن ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : قال رجل لابن عباس في هذه الاَيات : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فمن فعل هذا فقد كفر ؟ قال ابن عباس : إذا فعل ذلك فهو به كفر ، وليس كمن كفر بالله واليوم الاَخر وبكذا وكذا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سئل ابن عباس عن قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون قال هي به كفر قال ابن طاووس به كفر ، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سئل ابن عباس عن قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون قال كفر لا ينقل عن الملة قال وقال قال عطاء : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الاَيات في أهل الكتاب ، وهي مراد بها جميع الناس مسلموهم وكفارهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : نزلت هذه الاَيات في بني إسرائيل ، ورضي لهذه الأمة بها .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : نزلت في بني إسرائيل ، ورضي لكم بها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن مصور ، عن إبراهيم في هذه الاَية : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : نزلت في بني إسرائيل ، ثم رضي بها لهؤلاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : نزلت في اليهود ، وهي علينا واجبة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليم ، عن سلمة بن كهيل ، عن علقمة ومسروق : أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة ، فقال : من السحت . قال : فقالا : أفي الحكم ؟ قال : ذاك الكفر . ثم تلا هذه الاَية : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ يقول : ومن لم يحكم بما أنزلتُ فتركه عمدا وجار وهو يعلم فهو من الكافرين .
وقال آخرون : معنى ذلك : ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به ، فأما الظلم والفسق فهو للمقرّ به ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقرّ به ولم يحكم فهو ظالم فاسق .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال : نزلت هذه الاَيات في كافر أهل الكتاب ، لأن ما قبلها وما بعدها من الاَيات ففيهم نزلت وهم المعِنيون بها ، وهذه الاَيات سياق الخبر عنهم ، فكونها خبرا عنهم أولى .
فإن قال قائل : فإن الله تعالى ذكره قد عمّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله ، فكيف جعلته خاصّا ؟ قيل : إن الله تعالى عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون . وكذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به ، هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس لأنه بجحوده حكمَ الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه نظير جحوده نبوّة نبيه بعد علمه أنه نبيّ .