أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } يعني هدى من الضلالة ، ونور من العمى { يحكم بها النبيون } يحكمون بما في التوراة من لدن موسى إلى عيسى { للذين هادوا } لهم وعليهم ، ثم قال ويحكم بها { الربانيون والأحبار } أيضاً بالتوراة { بما استحفظوا من كتاب الله } من الرجم والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس } في أمر محمد صلى الله عليه وسلم والرجم يقول : اظهروا أمر محمد والرجم { واخشون } في كتمانه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار } قال : أما الربانيون . ففقهاء اليهود ، وأما الأحبار . فعلماؤهم . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لما أنزلت هذه الآية : نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } قال : النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء يحكمون بما فيها من الحق .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { والربانيون والأحبار } قال : الفقهاء والعلماء .
وأخرج عن مجاهد قال : { الربانيون } العلماء الفقهاء ، وهم فوق الأحبار .
وأخرج عن قتادة قال { الربانيون } فقهاء اليهود { والأحبار } العلماء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال « كان رجلان من اليهود أخوان يقال لهما ابنا صوريا ، قد اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما ، وأعطياه عهداً أن لا يسألهما عن شيء في التوراة إلا أخبراه به ، وكان أحدهما ربيّا والآخر حبراً ، وإنما الأمر كيف حين زنى الشريف وزنى المسكين وكيف غيروه ، فأنزل الله { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } يعني النبي صلى الله عليه وسلم { والربانيون والأحبار } هما ابنا صوريا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الربانيون . الفقهاء العلماء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والربانيون } قال : هم المؤمنون { والأحبار } قال : هم القراء { كانوا عليه شهداء } يعني الربانيون والأحبار هم الشهداء لمحمد صلى الله عليه وسلم بما قال أنه حق جاء من عند الله ، فهو نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أتته اليهود فقضى بينهم بالحق » .
وأخرج ابن المنذر وابن جريج { فلا تخشوا الناس واخشون } لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن عساكر عن نافع قال : كنا مع ابن عمر في سفر فقيل إن السبع في الطريق قد حبس الناس ، فاستحث ابن عمر راحلته ، فلما بلغ إليه برك فعرك أذنه وقعده ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
« إنما يسخط على ابن آدم من خافه ابن آدم ، ولو أن ابن آدم لم يخف إلا الله لم يسلط عليه غيره ، وإنما وكل ابن آدم عن رجال ابن آدم ، ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله لم يكله إلى سواه » .
وأخرج ابن جرير عن السدي { فلا تخشوا الناس } فتكتموا ما أنزلت { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } على أن تكتموا ما أنزلت .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } قال : لا تأكلوا السحت على كتابي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله } فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق .
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } [ المائدة : 45 ] { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } [ المائدة : 47 ] قال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
وأخرج سعيد بن منصور و أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : إنما أنزل الله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } والظالمون ، والفاسقون ، في اليهود خاصة .
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال : الثلاث الآيات التي في المائدة { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } هم الظالمون ، هم الفاسقون ، ليس في أهل الإسلام منها شيء ، هي في الكفار .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } هم الظالمون ، هم الفاسقون ، نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله . . . } الآيات . قال : نزلت الآيات في بني إسرائيل ، ورضي لهذه الأمة بها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . . . } قال : نزلت في اليهود ، وهي علينا واجبة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي قال : الثلاث آيات التي في المائدة { ومن لم يحكم بما أنزل الله } أولها في هذه الأمة ، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال : من حكم بكتابه الذي كتب بيده وترك كتاب الله ، وزعم أن كتابه هذا من عند الله فقد كفر .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن حذيفة أن هذه الآيات ذكرت عنده { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } والظالمون ، والفاسقون ، فقال رجل : أن هذا في بني إسرائيل . قال حذيفة : نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة ، كلا والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : نعم القوم أنتم إن كان ما كان من حُلو فهو لكم ، وما كان من مُر فهو لأهل الكتاب ، كأنه يرى أن ذلك في المسلمين { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال : نعم . قالوا { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } قال : نعم . قالوا : فهؤلاء يحكمون بما أنزل الله . قال : نعم ، هو دينهم الذي به يحكمون ، والذي به يتكلمون وإليه يدعون ، فإذا تركوا منه شيئاً علموا أنه جور منهم ، إنما هذه لليهود والنصارى والمشركون الذين لا يحكمون بما أنزل الله .
وأخرج عبد بن حميد عن حكيم بن جبير قال : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآيات في المائدة { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } ، { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } فقلت : زعم قوم أنها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا قال : اقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقرأت عليه فقال : لا ، بل نزلت علينا ، ثم لقيت مقسماً مولى ابن عباس ، فسألته عن هذه الآيات التي في المائدة ، قلت : زعم قوم أنها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا . قال : إنه نزل على بني إسرائيل ونزل علينا ، وما نزل علينا وعليهم فهو لنا ولهم ، ثم دخلت على علي بن الحسين فسألته عن هذه الآيات التي في المائدة ، وحدثته أني سألت عنها سعيد بن جبير ومقسماً قال : فما قال مقسم ؟ فأخبرته بما قال . قال صدق ، ولكنه كفر ليس ككفر الشرك ، وفسق ليس كفسق الشرك ، وظلم ليس كظلم الشرك ، فلقيت سعيد بن جبير فأخبرته بما قال : فقال سعيد بن جبير لابنه : كيف رأيته ، لقد وجدت له فضلاً عليك وعلى مقسم .
وأخرج سعيد بن منصور عن عمر قال : ما رأيت مثل من قضى بين إثنين بعد هذه الآيات .
وأخرج سعيد قال : استُعمل أبو الدرداء على القضاء ، فأصبح يهينه . قال : تهينني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن وأبين ، ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له ، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصاً عليه .
وأخرج ابن سعد عن يزيد بن موهب . أن عثمان قال لعبد الله بن عمر : اقض بين الناس ، قال : لا أقضي بين إثنين ولا أؤم إثنين قال : لا ، ولكنه بلغني أن القضاة ثلاثة . رجل قضى بجهل فهو في النار ، ورجل حاف ومال به الهوى فهو في النار ، ورجل اجتهد فأصاب فهو كفاف لا أجر له ولا وزر عليه . قال : إن أباك كان يقضي ؟ قال : إن أبي إذا أشكل عليه شيء سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا أشكل على النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل ، وإني لا أجد من أسأل أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ ؟ فقال عثمان : بلى . قال : فاني أعوذ بالله أن تستعملني ، فأعفاه وقال : لا تخبر بهذا أحداً » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : بلغني أن قاضياً كان في زمن بني إسرائيل ، بلغ من اجتهاده أن طلب إلى ربه أن يجعل بينه وبينه علماً ، إذا هو قضى بالحق عرف ذلك . فقيل له : ادخل منزلك ، ثم مد يدك في جدارك ، ثم انظر كيف تبلغ أصابعك من الجدار ، فاخطط عنده خطاً ، فإذا أنت قمت من مجلس القضاء فارجع إلى ذلك الخط ، فامدد يدك إليه فانك متى كنت على الحق فانك ستبلغه ، وإن قصرت عن الحق قصر بك ، فكان يغدو إلى القضاء وهو مجتهد ، وكان لا يقضي إلا بالحق ، وكان إذا فرغ لم يذق طعاماً ولا شراباً ، ولا يفضي إلى أهله بشيء حتى يأتي ذلك الخط ، فإذا بلغه حمداً لله وأفضى إلى كل ما أحل الله له من أهل أو مطعم أو مشرب ، فلما كان ذات يوم وهو في مجلس القضاء أقبل إليه رجلان بدابة ، فوقع في نفسه أنهما يريدان يختصمان إليه ، وكان أحدهما له صديقاً وخدنا ، فتحرك قلبه عليه محبة أن يكون له فيقضي له به ، فلما إن تكلما دار الحق على صاحبه فقضى عليه ، فلما قام من مجلسه ذهب إلى خطه كما كان يذهب كل يوم ، فمد يده إلى الخط فإذا الخط قد ذهب وتشمر إلى السقف وإذا هو لا يبلغه ، فخر ساجداً وهو يقول : يا رب ، شيء لم أتعمده ، فقيل له : أتحسبن أن الله لم يطلع على جور قلبك حيث أحببت أن يكون الحق لصديقك فتقضي له به ، قد أردته وأحببته ولكن الله قد رد الحق إلى أهله وأنت لذلك كاره .
وأخرج الحكيم والترمذي عن ليث قال : تقدم إلى عمر بن الخطاب خصمان فأقامهما ، ثم عادا ففصل بينهم ، فقيل له في ذلك فقال : تقدما إليَّ ، فوجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه فكرهت أن أفصل بينهما ، ثم عادا فوجدت بعض ذلك فكرهت ، ثم عادا وقد ذهب ذلك ففصلت بينهما .