تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (44)

ثم أخبر الله عن التوراة ، فقال سبحانه : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } وضياء من الظلمة ، { يحكم بها النبيون } من لدن موسى عليه السلام ، إلى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ، ألف نبي ، { الذين أسلموا } ، يعني أنهم مسلمون ، أو أسلموا وجوههم لله ، { للذين هادوا } ، يعني اليهود يحكمون بما لهم وما عليهم ، { و } يحكم بها { والربانيون } ، وهم المتعبدون من أهل التوراة من ولد هارون ، يحكمون بالتوراة ، { والأحبار } ، يعني القراء والعلماء منهم ، { بما استحفظوا من كتاب الله } عز وجل من الرجم ، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم ، ثم قال يهود المدينة ، كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وأصحابهم ، { وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس } ، يقول : لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرجم ، ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ، { واخشون } إن كتمتموه ، { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } عرضا يسيرا مما كانوا يصيبون من سفلة اليهود من الطعام والثمار ، { ومن لم يحكم بما أنزل الله } في التوراة بالرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ، ويشهد به ، { فأولئك هم الكافرون } [ آية :44 ] .

ولما أرادوا القيام ، قالت بنو قريظة ، أبو لبابة ، وشعبة بن عمرو ، ورافع بن حريملة ، وشاس بن عمرو ، للنبي صلى الله عليه وسلم : إخواننا بني النضير ، كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وغيرهم ، أبونا واحد ، وديننا واحد ، إذا قتل أهل النضير منا قتيلا ، أعطونا سبعين وسقا من تمر ، وإن قتلنا منهم قتيلا ، أخذوا منا مائة وأربعين وسقا من تمر ، وجراحاتنا على أنصاف جراحاتهم ، فاقض بيننا وبينهم يا محمد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن دم القرظى وفاء من دم النضيرى ، وليس للنضيرى على القرظي فضل في الدم ولا في العقل" قال كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، وكعب بن أسيد ، وأصحابهم : لا نرضى بقضائك ، ولا نطيع أمرك ، ولنأخذن بالأمر الأول ، فإنك عدونا ، وما تأول أن تضعنا وتضرنا .

وفي ذلك يقول الله تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون } ، يعني حكمهم الأول ، { ومن أحسن من الله حكما } ، يقول : فلا أحد أحسن من الله حكما ، { لقوم يوقنون } ، وعد الله عز وجل ووعيده .