معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

قوله تعالى : { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه } ، أي : إلى العجل ، { نكرهم } ، أنكرهم ، { وأوجس } ، أضمر { منهم خيفة } ، خوفا . قال مقاتل : وقع في قلبه ، وأصل الوجوس : الدخول ، كان الخوف دخل قلبه . وقال قتادة : وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وإنما جاء بشر .

{ قالوا لا تخف } ، يا إبراهيم إنا رسل ربك . يعني : { إنا } ملائكة الله { أرسلنا إلى قوم لوط* } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

{ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ } أي : إلى تلك الضيافة { نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } وظن أنهم أتوه بشر ومكروه ، وذلك قبل أن يعرف أمرهم .

ف { قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ } أي : إنا رسل الله ، أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ } .

يقول تعالى ذكره : فلما رأى إبراهيم أيدَيهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به والطعام الذي قدّم إليهم نكرهم ، وذلك أنه لما قدّم طعامه صلى الله عليه وسلم إليهم فيما ذُكِر ، كَفّوا عن أكله ، لأنهم لم يكونوا ممن يأكله ، وكان إمساكهم عن أكله عند إبراهيم وهم ضيفانه مستنكرَا ، ولم تكن بينهم معرفة ، وراعه أمرهم وأوجس في نفسه منهم خيفة .

وكان قتادة يقول : كان إنكاره ذلك من أمرهم كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَمّا رأى أيْدِيهِمْ لا تَصِلُ إلَيْهِ نَكِرَهُمْ وأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يَطعَم من طعامهم ، ظنوا أنه لم يجىءْ بخير ، وأنه يحدّث نفسه بشرّ .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : فَلَمّا رأى أيْدِيهِمْ لا تَصِلُ إلَيْهِ نَكِرَهُمْ قال : كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ، ظنوا أنه لم يأت بخير ، وأنه يحدّث نفسه بشرّ ، ثم حدّثوه عند ذلك بما جاءوا .

وقال غيره في ذلك ما :

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب بن سفيان ، قال : لما دخل ضيف إبراهيم عليه السلام قرّب إليهم العجل ، فجعلوا ينكتون بِقداح في أيديهم من نَبْل ، ولا تصل أيديهم إليه ، نكرهم عند ذلك .

يقال منه : نَكِرْت الشيء أَنكره ، وأَنكرته أنكره بمعنى واحد ، ومن نكرت وأنكرت قول الأعشى :

وأنْكَرَتْني وَما كانَ الذي نَكِرَتْ *** منَ الحَوَادثِ إلاّ الشّيْبَ والصّلَعا

فجمع اللغتين جميعا في البيت . وقال أبو ذُؤيب :

فَنَكرْنَهُ فَنَفَرْنَ وَامْتَرَسَتْ بهِ *** هَوْجاءُ هادِيَةٌ وَهادٍ جُرْشُعُ

وقوله : وأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يقول : أحسّ في نفسه منهم خيفة وأضمرها . قالُوا لا تَخَفْ يقول : قالت الملائكة لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم : لا تخف منا وكن آمنا ، فإنا ملائكةُ ربك أرسلنا إلى قوم لوط .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

وقوله تعالى : { فلما رأى أيديهم } الآية ، روي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في اللحم ولا تصل أيديهم إليه ، وفي هذه الآية من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر من ضيفه هل يأكل أم لا ؟

قال القاضي أبو محمد : وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر ، فروي أن أعرابياً أكل مع سليمان بن عبد الملك ، فرأى سليمان في لقمة الأعرابي شعرة فقال له : أزل الشعرة عن لقمتك ، فقال له : أتنظر إلي نظر من يرى الشعر في لقمتي والله لا أكلت معك{[6425]} .

و { نكرهم } - على ما ذكر كثير من الناس - معناه : أنكرهم ، واستشهد لذلك بالبيت الذي نحله أبو عمرو بن العلاء الأعشى وهو : [ البسيط ]

وأنكرتني وما كان الذي نكرت*** من الحوادث إلا الشيب والصلعا{[6426]}

وقال بعض الناس : «نكر » هو مستعمل فيما يرى بالبصر فينكر ، وأنكر هي مستعملة فيما لا يقرر من المعاني ، فكأن الأعشى قال : وأنكرتني مودتي وأدمتي{[6427]} ونحوه ، ثم جاء ب «نكر » في الشيب والصلع الذي هو مرئي بالبصر ، ومن هذا قول أبي ذؤيب : [ الكامل ]

فنكرنه فنفرن وامترست به*** هوجاء هادية وهاد جرشع{[6428]}

والذي خاف منه إبراهيم عليه السلام ما يدل عليه امتناعهم من الأكل ، فعرف من جاء بشر أن لا يأكل طعام المنزول به ، و { أوجس } معناه أحس في نفسه خيفة منهم ، و «الوجيس » : ما يعتري النفس عند الحذر وأوائل الفزع ، فأمنوه بقولهم : { لا تخف } وعلم أنهم الملائكة .


[6425]:- ذكر أن هذه الحكاية كانت مع هشام بن عبد الملك لا مع سليمان، وأن الأعرابي خرج من عنده وهو يقول: وللموت خير من زيارة باخل يُلاحظ أطراف الأكيل على عمد
[6426]:- أورد صاحب اللسان هذا البيت في (نكر) شاهدا على أن العرب تقول: نكرت الشيء وأنكرته فأنا أنكره إنكارا، والبيت في ديوان الأعشى (طبعة القاهرة ص101) (وطبعة دار صادر بيروت ص 105). وقد قال بعض العلماء: البيت مصنوع، قيل في الديوان: وضعه حمّاد. (ص 100)، وفي "مجاز القرآن" لأبي عبيدة (1-293) قال أبو عبيدة: قال يونس، قال أبو عمرو: أنا الذي زدت هذا البيت في شعر الأعشى.. إلى آخر، فأتوب إلى الله منه.
[6427]:- يريد: خلطتي وألفتي ومودتي.
[6428]:- البيت في ديوان الهذليين (طبعة دار الكتب المصرية 1-8) وفيه: (سطعاء) بدلا من (هوجاء)، قال شارح الديوان: يعني الحمير نكرن الصائد، وامترست هوجاء: يعني الأتان امترست بالفحل أي تكاد تسير معه، والهوجاء: التي ترفع رأسها لتتقدمه، وهاد: هو الفحل، وجُرشع: منتفخ الجنبين، يريد أنه أيضا امترس بها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

{ لا تصل إليه } أشد في عدم الأخذ من ( لا تتناوله ) .

ويقال : نكر الشيء إذا أنكره أي كرهه .

وإنّما نكرهم لأنّه حسب أنّ إمساكهم عن الأكل لأجل التبرّؤ من طعامه ، وإنّما يكون ذلك في عادة النّاس في ذلك الزّمان إذا كان النّازل بالبيت يضمر شرّاً لمضيّفه ، لأنّ أكل طعام القرى كالعهد على السّلامة من الأذى ، لأنّ الجزاء على الإحسان بالإحسان مركوز في الفطرة ، فإذا انكفّ أحد عن تناول الإحسان فذلك لأنّه لا يريد المسالمة ولا يرضى أن يكون كفوراً للإحسان .

ولذلك عقب قوله { نكرهم } ب { أوجس منهم خيفة } ، أي أحسّ في نفسه خيفة منهم وأضمر ذلك . ومصدره الإيجاس . وذلك أنّه خشي أن يكونوا مضمرين شرّاً له ، أي حسبهم قطّاعاً ، وكانوا ثلاثة وكان إبراهيم عليه السّلام وحده .

وجملة { قالوا لا تخف } مفصولة عمّا قبلها ، لأنّها أشبهت الجواب ، لأنّه لمّا أوجس منهم خيفة ظهر أثرها على ملامحه ، فكان ظهور أثرها بمنزلة قوله إنّي خفت منكم ، ولذلك أجابوا ما في نفسه بقولهم : { لا تَخف } ، فحكي ذلك عنهم بالطّريقة الّتي تحكى بها المحاورات ، أو هو جواب كلام مقدّر دلّ عليه قوله : { وأوجس منهم خيفة } ، أي وقال لهم : إنّي خفت منكم ، كما حكي في سورة [ الحجر : 52 ] { قال إنّا منكم وَجِلون } ومن شأن النّاس إذا امتنع أحد من قبول طعامهم أن يقولوا له : لعلّك غادر أو عَدوّ ، وقد كانوا يقولون للوافد : أحَرْبٌ أم سِلْمٌ .

وقولهم : { إنّا أرسلنا إلى قوم لوط } مكاشفة منهم إيّاه بأنّهم ملائكة . والجملة استئناف مبينة لسبب مجيئهم .

والحكمةُ من ذلك كرامة إبراهيم عليه السّلام وصدورهم عن علم منه .

وحذف متعلّق { أرسلنا } أي بأي شيء ، إيجازاً لظهوره من هذه القصّة وغيرها .

وعبّر عن الأقوام المراد عذابهم بطريق الإضافة { قوم لوط } إذ لم يكن لأولئك الأقوام اسم يجمعهم ولا يرجعون إلى نسب بل كانوا خليطاً من فصائل عرفوا بأسماء قراهم ، وأشهرها سدوم كما تقدّم في الأعراف .