قوله تعالى : { ولما جاءهم كتاب من عند الله } . يعني القرآن .
قوله تعالى : { مصدق } . موافق .
قوله تعالى : { لما معهم } . يعني التوراة .
قوله تعالى : { وكانوا } . يعني اليهود .
قوله تعالى : { من قبل } . من قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { يستفتحون } . يستنصرون .
قوله تعالى : { على الذين كفروا } . على مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد صفته في التوراة ، فكانوا ينصرون ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم . قوله تعالى : { فلما جاءهم ما عرفوا } . يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من غير بني إسرائيل وعرفوا نعته وصفته .
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }
أي : ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد أفضل الخلق وخاتم الأنبياء ، المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة ، وقد علموا به ، وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع{[93]} بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب ، استنصروا بهذا النبي ، وتوعدوهم بخروجه ، وأنهم يقاتلون المشركين معه ، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا ، كفروا به ، بغيا وحسدا ، أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، فلعنهم الله ، وغضب عليهم غضبا بعد غضب ، لكثرة كفرهم وتوالى شكهم وشركهم .
{ وَلَمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمّا جَآءَهُمْ مّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }
يعني جل ثناؤه بقوله : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّق لِمَا مَعَهُمْ : ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف جل ثناؤه صفتهم ، كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ يعني بالكتاب : القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ يعني مصدّق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وهو القرآن الذي أنزل على محمد مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل .
حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّق لِمَا مَعَهُمْ وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل .
القول في تأويل قوله تعالى : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } .
يعني بقوله جل ثناؤه : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } أي وكان هؤلاء اليهود الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان ، كفروا به يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الاستفتاح : الاستنصار يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه أي من قبل أن يبعث . كما :
حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم قالوا : فينا والله وفيهم يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم نزلت هذه القصة ، يعني : { وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } قالوا : كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية ، ونحن أهل الشرك ، وهم أهل الكتاب ، فكانوا يقولون : إن نبيّا الاَن مبعثه قد أظل زمانه ، يقتلكم قَتْلَ عادٍ وإرَم فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه كفروا به . يقول الله : فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ .
حدثنا بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . فلما بعثه الله من العرب ، كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شِرْك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته . فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله جل ثناؤه في ذلك من قوله : { وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ } .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا }يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه .
وحدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عليّ الأزدي في قول الله :
{ وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } قال : اليهود ، كانوا يقولون : اللهمّ ابعث لنا هذا النبيّ يحكم بيننا وبين الناس يَسْتَفْتِحُونَ يستنصرون به على الناس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، على عن الأزدي وهو البارقي في قول الله جل ثناؤه : { وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ } فذكر مثله .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } كانت اليهود تستفتح بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب من قبل ، وقالوا : اللهمّ ابعث هذا النبيّ الذي نجده في التوراة يعذّبهم ويقتلهم فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فرأوا أنه بعث من غيرهم كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عرَفُوا كَفَرُوا بِهِ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب ، يقولون : اللهمّ ابعث هذا النبيّ الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذّب المشركين ويقتلهم فلما بعث الله محمدا ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { ولمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قال : كانت العرب تمرّ باليهود فيؤذونهم ، وكانوا يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم في التوراة ، ويسألون الله أن يبعثه فيقاتلوا معه العرب فلما جاءهم محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الّذِينَ كَفَرُوا } قال : كانوا يستفتحون على كفار العرب بخروج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويرجون أن يكون منهم . فلما خرج ورأوه ليس منهم كفروا ، وقد عرفوا أنه الحقّ وأنه النبيّ . قال : { فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ } .
قال : حدثنا ابن جريج ، وقال مجاهد : يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم تقول أنه يخرج ، فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا وكان من غيرهم ، كَفَرُوا بِهِ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : وقال ابن عباس : كانوا يستفتحون على كفار العرب .
حدثني المثنى ، قال : حدثني الحماني ، قال : حدثني شريك ، عن أبي الحجاب ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير قوله : { فَلَمّا جاءهُمْ مَا عرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قال : هم اليهود عرفوا محمدا أنه نبيّ ، وكفروا به .
حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } قال : كانوا يستظهرون يقولون نحن نعين محمدا عليهم ، وليسوا كذلك يكذبون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله عزّ وجل : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرفُوا كَفَرُوا بِهِ } قال : كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون : أما والله لو قد جاء النبيّ الذي بشر به موسى وعيسى : أحمد لكان لنا عليكم . وكانوا يظنون أنه منهم والعرب حولهم ، وكانوا يستفتحون عليهم به ويستنصرون به فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ وحسدوه . وقرأ قول الله جل ثناؤه : { كُفّارا حَسَدا مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الحَقّ } قال : قد تبين لهم أنه رسول ، فمن هنالك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيّا خارج .
فإن قال لنا قائل : فأين جواب قوله : { وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدق لِمَا مَعَهُمْ } ؟ قيل : قد اختلف أهل العربية في جوابه ، فقال بعضهم : هو مما تُرك جوابه استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه وبما قد ذكر من أمثاله في سائر القرآن . وقد تفعل العرب ذلك إذا طال الكلام ، فتأتي بأشياء لها أجوبة فتحذف أجوبتها لاستغناء سامعيها بمعرفتهم بمعناها عن ذكر الأجوبة ، كما قال جل ثناؤه : وَلَوْ أَنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوّ كُلّمَ بِهِ المَوْتَى بَلْ لِلّهِ الأمْرُ جَمِعيا فترك جوابه . والمعنى :
{ ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسُيّرت بهذا القرآن } استغناءً بعلم السامعين بمعناه . قالوا : فكذلك قوله : وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ .
وقال آخرون : جواب قوله : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتاب مِنْ عِنْدِ اللّهِ في «الفاء » التي في قوله : { فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ }وجواب الجزاءين في «كفروا به » كقولك : لما قمت فلما جئتنا أحسنت ، بمعنى : لما جئتنا إذْ قمتَ أحسنتَ .
القول في تأويل قوله تعالى : فَلَعنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ .
قد دللنا فيما مضى على معنى اللعنة وعلى معنى الكفر ، بما فيه الكفاية . فمعنى الآية : فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحقّ عليهم لله ولأنبيائه المنكرين ، لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ففي إخبار الله عزّ وجل عن اليهود بما أخبر الله عنهم بقوله : { فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد قيام الحجة بنبوّته عليهم وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم .
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } ( 89 )
الكتاب القرآن ، و { مصدق لما معهم } يعني التوراة ، وروي أن في مصحف أبي بن كعب «مصدقاً » بالنصب( {[928]} ) .
و { يستفتحون } معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما عندهم من صفته وذكر وقته ، وظنوا أنه منهم ، فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم : لو قد خرج النبي الذي قد أظل( {[929]} ) وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به و { يستفتحون } معناه يستنصرون( {[930]} ) ، وفي الحديث : «كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين »( {[931]} ) ، وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب ، وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به ، فإنهم كانوا علموا صقع( {[932]} ) المبعث ، وما عرفوا أنه محمد عليه السلام وشرعه ، ويظهر من هذه الآيات العناد منهم ، وان كفرهم كان مع معرفة ومعاندة ، «ولعنة الله » : معناه إبعاده لهم وخزيهم لذلك .
واختلفت النحاة في جواب { لما }( {[933]} ) و { لِما } الثانية في هذه الآية . فقال أبو العباس المبرد : جوابهما في قولَه : { كَفروا } ، وأعيدت { لما } الثانية لطول الكلام ، ويفيد ذلك تقريراً للذنب ، وتأكيداً له ، وقال الزجاج : { لما } الأولى لا جواب لها للاستغناء عن ذلك بدلالة الظاهر من الكلام عليه ؟
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فكأنه محذوف ، وقال الفراء : جواب { لما } الأولى في الفاء وما بعدها ، وجواب { لما } الثانية { كفروا } .