الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (89)

وقوله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله . . . } [ البقرة :89 ] .

الكتاب : القرآن ، و{ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ }[ البقرة :89 ] يعني التوراةَ ، و{ يَسْتَفْتِحُونَ } معناه : أن بني إِسرائيل كانوا قبل مَبْعَثِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما علموا عنْدَهُمْ من صفته ، وذكر وقته ، وظنُّوا أنه منهم ، فكانوا إذا حاربوا الأوْسَ والخَزْرجَ ، فغلبتهم العَرَبُ قالوا لهم : لو قد خرج النبيُّ الذي أظلَّ وقتُهُ لقاتلْنَاكُم معه ، واستنصرنا عليكم به ، و{ يَسْتَفْتِحُونَ } معناه يستنصرُونَ ، قال أحمد بن نَصْرٍ الداوديُّ : ومنه : { فعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالفَتْحِ }[ المائدة :52 ] أي : بالنصر انتهى .

وروى أبو بكر محمد بن حُسَيْنٍ الآْجُرِّيُّ عن ابن عبَّاس قال : كانت يهودُ خَيْبَرَ يُقَاتِلُونَ غَطَفَانَ ، فكُلَّمَا التقوا هزمت اليهودَ ، فَعَاذَ اليهودُ يوماً بالدعاء ، فقالوا : اللهم ، إِنا نسألكَ بحَقِّ محمَّدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ الذي وعدتَّنَا أن تخرجَهُ لَنَا في آخر الزمان ، إِلاَّ نَصَرْتَنا علَيْهم ، فكانوا إِذا التقوا دعوا بهذا الدعاء ، فهزموا غَطَفَانَ ، فلما بُعِثَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفَرُوا به ، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ }[ البقرة :89 ] ، والاستفتاحُ : الاستنصار ، ووقع ليهود المدينة نحو هذا مع الأنصار قُبَيْل الإِسلام ، انتهى من تأليف حسن بن عليِّ بن عبد المَلْكِ الرّهونيِّ المعروفِ بابْنِ القَطَّان ، وهو كتابٌ نفيسٌ جِدًّا ألَّفه في معجزات النبيِّ صلى الله عليه وسلم وآيات نبوءته .

وروي أن قريظة والنضير وجميعَ يَهُودِ الحجازِ في ذلك الوقْتِ كانوا يستفتحون على سائر العرب ، وبسبب خروج النبيِّ المنتظر ، كانت نقلتهم إلى الحجاز وسُكْناهم به ، فإِنهم كانوا علموا صُقع المَبْعَث ، وما عرفوا هو محمَّد صلى الله عليه وسلم وشرعه ، ويظهر في هذه الآية العنادُ منهم ، وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة و{ لَعْنَةُ الله } إبعاده لهم ، وخزيهم لذلك .