المعرفة : العلم المتعلق بالمفردات ، ويسبقه الجهل ، بخلاف أصل العلم فإنه يتعلق بالنسب ، وقد لا يسبقه الجهل ، ولذلك لم يوصف الله تعالى بالمعرفة ، ووصف بالعلم .
{ ولما جاءهم } : الضمير عائد على اليهود ، ونزلت فيهم حين كانت غطفان تقاتلهم وتهزمهم ، أو حين كانوا يلقون من العرب أذى كثيراً ، أو حين حاربهم الأوس والخزرج فغلبتهم .
{ كتاب } : هو القرآن ، وإسناد المجيء إليه مجاز .
{ من عند الله } : في موضع الصفة ، ووصفه بمن عند الله جدير أن يقبل ، ويتبع ما فيه ، ويعمل بمضمونه ، إذ هو وارد من عند خالقهم وإلههم الذي هو ناظر في مصالحهم .
{ مصدّق } : صفة ثانية ، وقدّمت الأولى عليها ، لأن الوصف بكينونته من عند الله آكد ، ووصفه بالتصديق ناشىء عن كونه من عند الله .
لا يقال : إنه يحتمل أن يكون { من عند الله } متعلقاً بجاءهم ، فلا يكون صفة للفصل بين الصفة والموصوف بما هو معمول لغير أحدهما .
وفي مصحف أبيّ مصدقاً ، وبه قرأ ابن أبي عبلة ونصبه على الحال من كتاب ، وإن كان نكرة .
وقد أجاز ذلك سيبويه بلا شرط ، فقد تخصصت بالصفة ، فقربت من المعرفة .
{ لما معهم } : هو التوراة والإنجيل ، وتصديقه إما بكونهما من عند الله ، أو بما اشتملا عليه من ذكر بعث الرسول ونعته .
{ وكانوا } : يجوز أن يكون معطوفاً على جاءهم ، فيكون جواب لما مرتباً على المجيء والكون .
ويحتمل أن يكون جملة حالية ، أي وقد كانوا ، فيكون الجواب مرتباً على المجيء بقيد في مفعوله ، وهم كونهم يستفتحون .
وظاهر كلام الزمخشري أن قوله : وكانوا أليست معطوفة على الفعل بعد لما ، ولا حالاً لأنه قدّر جواب لما محذوفاً قبل تفسيره يستفتحون ، فدل على أن قوله : وكانوا ، جملة معطوفة على مجموع الجملة من قوله : ولما .
{ من قبل } : أي من قبل المجيء ، وبني لقطعه عن الإضافة إلى معرفة .
{ يستفتحون } : أي يستحكمون ، أو يستعلمون ، أو يستنصرون ، أقوال ثلاثة .
يقولون ، إذا دهمهم العدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد نعته في التوراة .
واختلفوا في جواب ولما الأولى ، فذهب الأخفش والزجاج إلى أنه محذوف لدلالة المعنى عليه ، واختاره الزمخشري وقدره نحو : كذبوا به واستهانوا بمجيئه ، وقدره غيره : كفروا ، فحذف لدلالة كفروا به عليه ، والمعنى قريب في ذلك .
وذهب الفراء إلى أن الفاء في قوله : { فلما جاءهم } جواب لما الأولى ، وكفروا جواب لقوله : فلما جاءهم .
وهو عنده نظير قوله : { فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف } قال : ويدل على أن الفاء هنا ليست بناسقة أن الواو لا تصلح في موضعها .
وذهب المبرد إلى أن جواب لما الأولى هو : كفروا به ، وكرر لما لطول الكلام ، ويقيد ذلك تقريراً للذنب وتأكيداً له .
وهذا القول كان يكون أحسن لولا أن الفاء تمنع من التأكيد .
وأما قول الفراء فلم يثبت من لسانهم ، لما جاء زيد ، فلما جاء خالد أقبل جعفر ، فهو تركيب مفقود في لسانهم فلا نثبته ، ولا حجة في هذا المختلف فيه ، فالأولى أن كون الجواب محذوفاً لدلالة المعنى عليه ، وأن يكون التقدير : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدّق لما معهم } كذبوه ، ويكون التكذيب حاصلاً بنفس مجيء الكتاب من غير فكر فيه ولا روّية ، بل بادروا إلى تكذيبه .
ثم قال تعالى : { وكانوا من قبل يستفتحون } ، أي يستنصرون على المشركين إذا قاتلوهم ، أو يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبياً يبعث قد قرب وقت بعثه ، فكانوا يخبرون بذلك .
{ فلما جاءهم ما عرفوا } : وما سبق لهم تعريفه للمشركين .
{ كفروا به } : ستروه وجحدوه ، وهذا أبلغ في ذمهم ، إذ يكون الشيء المعروف لهم ، المستقر في قلوبهم وقلوب من أعلموهم به كيانه ونعته يعمدون إلى ستره وجحده ، قال تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } وقال أبو القاسم الراغب : ما ملخصه الاستفتاح ، طلب الفتح ، وهو ضربان : إلهي ، وهو النصرة بالوصول إلى العلوم المؤدية إلى الثواب ، ومنه { إنا فتحنا لك } فعسى أن يأتي بالفتح .
ودنيوي ، وهو النصرة بالوصول إلى اللذات البدنية ، ومنه { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } فمعنى يستفتحون : أي يعلمون خبره من الناس مرّة ، ويستنبطون ذكره من الكتب مرة .
وقيل : يطلبون من الله بذكره الظفر .
وقيل : كانوا يقولون إنا ننصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على عبدة الأوثان .
وكل ذلك داخل في عموم الاستفتاح . انتهى .
وظاهر قوله : ما عرفوا أنه الكتاب ، لأنه أتى بلفظ ما ، ويحتمل أنه يراد به النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن ما قد يعبر بها عن صفات من يعقل ، ويجوز أن يكون المعنى : ما عرفوه من الحق ، فيندرج فيه معرفة نبوّته وشريعته وكتابه ، وما تضمنه .
{ فلعنة الله على الكافرين } : لما كان الكتاب جائياً من عند الله إليهم ، فكذبوه وستروا ما سبق لهم عرفانه ، فكان ذلك استهانة بالمرسل والمرسل به .
قابلهم الله بالاستهانة والطرد ، وأضاف اللعنة إلى الله تعالى على سبيل المبالغة ، لأن من لعنه الله تعالى هو الملعون حقيقة .
{ قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله } { ومن يعلن الله فلن تجد له نصيراً } ثم إنه لم يكتف باللعنة حتى جعلها مستعلية عليهم ، كأنه شيء جاءهم من أعلاهم ، فجللهم بها ، ثم نبه على علة اللعنة وسببها ، وهي الكفر ، كما قال قبل : { بل لعنهم الله بكفرهم } ، وأقام الظاهر مقام المضمر لهذا المعنى ، فتكون الألف واللام للعهد ، أو تكون للعموم ، فيكون هؤلاء فرداً من أفراد العموم .
قال الزمخشري : ويجوز أن تكون للجنس ، ويكون فيه دخولاً أولياً .
ونعني بالجنس العموم ، وتخيله أنهم يدخلون فيه دخولاً أولياً ليس بشيء ، لأن دلالة العلة على إفراده ليس فيها بعض الإفراد أولى من بعض ، وإنما هي دلالة على كل فرد فرد ، فهي دلالة متساوية .
وإذا كانت دلالة متساوية ، فليس فيها شيء أول ولا أسبق من شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.