قوله تعالى : { ولو أرادوا الخروج } ، إلى الغزو .
قوله تعالى : { لأعدوا له } ، أي : لهيئوا له
قوله تعالى : { عدة } ، أهبة وقوة من السلام والكراع ،
قوله تعالى : { ولكن كره الله انبعاثهم } ، خروجهم ،
قوله تعالى : { فثبطهم } ، منعهم وحبسهم عن الخروج ،
قوله تعالى : { وقيل اقعدوا } ، في بيوتكم ،
قوله تعالى : { مع القاعدين } ، يعنى : مع المرضى والزمنى . وقيل : مع النسوان والصبيان . قوله عز وجل :{ وقيل } أي : قال بعضهم لبعض : اقعدوا . وقيل : أوحى إلى قلوبهم وألهموا أسباب الخذلان .
{ 46 -48 } { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }
يقول تعالى مبينا أن المتخلفين من المنافقين قد ظهر منهم من القرائن ما يبين أنهم ما قصدوا الخروج للجهاد بالكلية ، وأن أعذارهم التي اعتذروها باطلة ، فإن العذر هو المانع الذي يمنع إذا بذل العبد وسعه ، وسعى في أسباب الخروج ، ثم منعه مانع شرعي ، فهذا الذي يعذر .
{ و } أما هؤلاء المنافقون ف { لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً } أي : لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب ، ولكن لما لم يعدوا له عدة ، علم أنهم ما أرادوا الخروج .
{ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ } معكم في الخروج للغزو { فَثَبَّطَهُمْ } قدرا وقضاء ، وإن كان قد أمرهم وحثهم على الخروج ، وجعلهم مقتدرين عليه ، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم ، بل خذلهم وثبطهم { وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } من النساء والمعذورين .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأعَدّواْ لَهُ عُدّةً وَلََكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولو أراد هؤلاء المستأذنوك يا محمد في ترك الخروج معك لجهاد عدوّك الخروج معك . لاَءَعَدّوا لَهُ عُدّةً يقول : لأعدّوا للخروج عدّة ، ولتأهبوا للسفر والعدوّ أهبتهما . وَلكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ يعني : خروجهم لذلك . فَثَبّطَهُمْ يقول : فثقل عليهم الخروج حتى استخفوا القعود في منازلهم خلافك ، واستثقلوا السفر والخروج معك ، فتركوا لذلك الخروج . وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القاعِدِينَ يعني : اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون ومع النساء والصبيان ، واتركوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدين في سبيل الله . وكان تثبيط الله إياهم عن الخروج مع رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، لعلمه بنفاقهم ، وغشهم للإسلام وأهله ، وأنهم لو خرجوا معهم ضرّوهم ولم ينفعوا . وذكر أن الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود كانوا عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، والجد بن قيس ، ومن كانا على مثل الذي كانا عليه . كذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذين استأذنوه فيما بلغني من ذوي الشرف منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معهم فيفسدوا عليه جنده .
{ ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له } للخروج . { عُدّة } أهبة وقرئ عده بحذف التاء عند الإضافة كقوله :
إن الخليط أجدّوا البين فانجردوا *** وأخلفوك عدّ الأمر الذي وعدوا
وعده بكسر العين بالإضافة وعدة بغيرها . { ولكن كره الله انبعاثهم } استدراك عن مفهوم قوله : { ولو أرادوا الخروج } كأنه قال ما خرجوا ولكن تثبطوا لأنه تعالى كره انبعاثهم أي نهوضهم للخروج . { فثبّطهم } فحسبهم بالجبن والكسل . { وقيل اقعدوا مع القاعدين } تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم ، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود ، أو حكاية قول بعضهم لبعض ، أو إذن الرسول عليه السلام لهم والقاعدين يحتمل المعذورين وغيرهم وعلى الوجهين لا يخلو عن ذم .
عطف على جملة { فهم في ريبهم يترددون } [ التوبة : 45 ] لأنّ معنى المعطوف عليها : أنّهم لم يريدوا الخروج إلى الغزو ، وهذا استدلال على عدم إرادتهم الخروج إذ لو أرادوه لأعدّوا له عُدّته . وهذا تكذيب لزعمهم أنّهم تهيّأوا للغزو ثم عرضت لهم الأعذار فاستأذنوا في القعود لأنّ عدم إعدادهم العُدّة للجهاد دلّ على انتفاء إرادتهم الخروج إلى الغزو .
والعُدّة بضم العين : ما يُحتاج إليه من الأشياء ، كالسلاح للمحارب ، والزاد للمسافر ، مشتقّة من الإعداد وهو التهيئة .
والاستدراك في قوله : { ولكن كره الله انبعاثهم } استدراك على ما دلّ عليه شرط { لو } من فرض إرادتهم الخروج تأكيد الانتفاء وقوعه بإثبات ضدّه ، وعبّر عن ضدّ الخروج بتثبيط الله إياهم لأنّه في السبب الإلهي ضدّ الخروج فعبّر به عن مسبّبه ، واستعمال الاستدراك كذلك بعد { لو } استعمال معروف في كلامهم كقول أبَيّ بن سُلْمَى الضَّبِّي :
فلو طار ذُو حافرٍ قَبْلَها *** لطارتْ ولكِنَّه لم يَطِرْ
أخِلاَّيَ لو غَيْرُ الحِمام أصابكم *** عَتِبْتُ ولكن ما على الموت مَعْتَب
إلاَّ أنّ استدراك ضدّ الشرط في الآية كان بذكر ما يساوي الضدّ : وهو تثبيط الله إيّاهم ، توفيراً لفائدة الاستدراك ببيان سبب الأمر المستدَرك ، وجعل هذا السبب مفرّعاً على علّته : وهي أنّ الله كره انبعاثهم ، فصيغ الاستدراك بذكر علّته اهتماماً بها ، وتنبيهاً على أنّ عدم إرادتهم الخروج كان حرماناً من الله إيّاهم ، وعناية بالمسلمين فجاء الكلام بنسج بديع وحصل التأكيد مع فوائد زائدة .
وكراهة الله انبعاثهم مفسّرة في الآية بعدها بقوله : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } [ التوبة : 47 ] .
والانبعاث : مطاوع بعثَه إذا أرسله .
والتثبيط : إزالة العزم . وتثبيط الله إيّاهم : أن خلق فيهم الكسل وضعف العزيمة على الغزو .
والقعود : مستعمل في ترك الغزو تشبيهاً للترك بالجلوس .
والقول : الذي في { وقيل اقعدوا } قول أمر التكوين : أي كُوّن فيهم القعود عن الغزو .
وزيادة قوله : { مع القاعدين } مذمّة لهم : لأنّ القاعدين هم الذين شأنهم القعود عن الغزو ، وهم الضعفاء من صبيان ونساء كالعُمي والزمنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.