فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

قوله : { وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج لأعَدُّواْ لَهُ عِدَّةَ } أي : لو كانوا صادقين فيما يدّعونه ويخبرونك به من أنهم يريدون الجهاد معك ، ولكن لم يكن معهم من العدّة للجهاد ما يحتاج إليه ، لما تركوا إعداد العدّة وتحصيلها قبل وقت الجهاد ، كما يستعدّ لذلك المؤمنون ، فمعنى هذا الكلام : أنهم لم يريدوا الخروج أصلاً ولا استعدّوا للغزو . والعدّة ما يحتاج إليه المجاهد من الزاد والراحلة والسلاح . قوله : { ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم } أي : ولكن كره الله خروجهم ، فتثبطوا عن الخروج ، فيكون المعنى : ما خرجوا ولكن تثبطوا ، لأن كراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج ، والانبعاث : الخروج ، أي حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم ، لأنهم قالوا : إن لم يؤذن لنا في الجلوس ، أفسدنا وحرّضنا على المؤمنين . وقيل : المعنى : لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة ، ولكن ما أرادوه لكراهة الله له قوله : { وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين } قيل : القائل لهم هو الشيطان بما يلقيه إليهم من الوسوسة ، وقيل : قاله بعضهم لبعض . وقيل : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً عليهم . وقيل : هو عبارة عن الخذلان ، أي أوقع الله في قلوبهم القعود خذلاناً لهم . ومعنى { مَعَ القاعدين } أي : مع أولي الضرر من العميان ، والمرضى ، والنساء ، والصبيان ، وفيه من الذمّ لهم والإزراء عليهم والتنقص بهم ما لا يخفى .

/خ49