قوله : { وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } .
قرأ العامة " عُدَّة " بضمِّ العين وتاء التأنيث ، وهي الزَّادُ والراحلةُ ، وجميعُ ما يحتاج إليه المسافرُ .
وقرأ محمد بنُ عبد الملك{[17839]} بن مروان ، وابنه معاوية " عُدَّهُ " كذلك ، إلاَّ أنَّهث جعل مكان تاء التأنيث هاء ضمير غائب ، يعود على " الخُرُوجِ " . واختلف في تخريجها ، فقيل : أصلها كقراءة الجمهور بتاء التأنيث ، ولكنهم يحذفونها للإضافةِ ، كالتَّنوين ، وجعل الفراء من ذلك قوله تعالى : { وَإِقَامَ الصلاة } [ الأنبياء : 73 ] .
إنَّ الخليطَ أجَدُّوا البَيْنَ فانْجَرَدُوا *** وأخْلَفُوكَ عِدَ الأمْرِ الذي وعَدُوا{[17840]}
وقال صاحبُ اللَّوامح " لمَّا أضاف جعل الكناية نائبةً عن التاء ، فأسقطها ، وذلك لأن العُدَّ بغير تاء ، ولا تقديرها ، هو " البئرُ الذي يخرج في الوجه " . وقال أبو حاتم : " هو جمع " عُدَّة " ، ك : " بُرّ " جمع " بُرّة " ، و " دُرّ " جمع " دُرَّة " والوجهُ فيه " عُدَد " ولكن لا يوافق خطَّ المصحف " . وقرأ زر{[17841]} بن حبيش ، وعاصم في رواية أبان " عِدَّهُ " بكسر العين ، مضافة إلى هاء الكناية .
قال ابن عطيَّة : هو عِنْدِي اسمٌ لما يُمَدُّ ، ك " الذَّبْح " ، و " القِتْل " .
وقرئ أيضاً{[17842]} " عِدَّة " بكسر العين ، وتاء التأنيث ، والمرادُ : عدة من الزَّاد والسلاح ، مشتقاً من " العَدَدِ " .
قوله : { ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم } . الاستدراكُ هنا يحتاجُ إلى تأمُّلٍ ، فلذلك قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف موقعُ حرفِ الاستدراك ؟ قلتُ : لمَّا كان قوله : { وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج } معطياً معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو . قيل : { ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم } كأنه قيل : ما خرجوا ، ولكن تَثَبَّطُوا عن الخروج لكراهةِ انبعاثهم ، ك : " ما أحْسَنَ زَيْدٌ إليَّ ولكن أساءَ إليَّ " . انتهى . يعني أنَّ ظاهرَ الآية يقتضي أنَّ ما بعد " لكن " موافقٌ لما قبلها ، وقد تقرَّر فيها أنَّها لا تقع إلاَّ بين ضدين ، أو نقيضين ، أو خلافين ، على خلاف في هذا الأخير ، فلذلك احتاج إلى الجواب المذكور .
قال أبُو حيان{[17843]} " وليست الآيةُ نظير هذا المثالِ - يعني : ما أحْسَنَ زيدٌ إليَّ ، ولكن أساء - ، لأنَّ المثال واقعٌ فيه " لكن " بين ضِدَّيْن ، والآيةُ واقعٌ فيها " لكن " بين متفقين من جهة المعنى " .
قال شهابُ الدِّين{[17844]} " مُرادُهم بالنقيضين : النفيُ والإثبات لفظاً ، وإن كانا يتلاقيان في المعنى ولا يُعَدُّ ذلك اتفاقاً " .
والانبعاثُ : الانطلاقُ ، يقال : بعثتُ البعير فانبعث ، وبعثته لكذا فانبعث ، أي : نفذ فيه والتَّثْبِيطُ : التَّعْويق ، يقالُ : ثَبَّطْتُ زيداً ، أي : عُقْتُه عمَّا يريده ، من قولهم : ناقة ثَبِطَة أي : بطيئة السير ، والمراد بقوله : " اقْعُدُوا " : التَّخْلية ، وهو كنايةٌ عن تباطئهم ، وأنَّهم تشبهوا بالنساء ، والصبيان ، والزَّمْنَى ، وذوي الأعذار ، وليس المرادُ قعوداً ؛ كقوله : [ البسيط ]
دَعِ المكَارِمَ لا تَقْصِدْ لبُغْيتهَا *** واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي{[17845]}
والمعنى : أنَّه تعالى كره خروجهم مع الرَّسُولِ - عليه الصلاة والسلام - ، فصرفهم عنه .
فإن قيل : خروجهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم إمَّا أن يقال إنَّه كان مفسدة ، وإمَّا أن يقال إنه مصلحة ، فإن كان مفسدة ، فلمَ عاتبَ الرسول في إذنه لهم بالقعود ؟ وإن كان مصلحة فَلِمَ قال تعالى : إنه كره انبعاثهم وخروجهم ؟
والجوابُ : أنَّ خروجهم مع الرَّسولِ ما كان مصلحة ؛ لأنَّه تعالى صرَّح بعد هذه الآية بذكر المفاسد بقوله : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.